العودة الى الصفحة السابقة
وادي البكاء ووادي البركة

وادي البكاء ووادي البركة

جون نور


مزمور 84 ع 5 – 6 «طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ».

يعتبر المزمور 84 في الكتاب المقدس من أكثر المزامير جمالاً وعذوبة، هذا المزمور كان يرتله السائحون والحجاج في طريقهم إلى مدينة أورشليم.

فناظم هذا المزمور متصوف من الدرجة الأولى. يرى في العبادة سمواً إلى الأعالي وتحليقاً إلى أجواء السماء وغذاء روحياً تتقوى به النفوس وتنتعش. فنرى المرنم يتغزل بمحاسن بيت الرب وهو لا يكتفي بأن يطوب الساكنين في بيت الرب. بل يطوب المعتزين ببيت الرب الذين يفتخرون بدينهم ويعتزون بإيمانهم أولئك الذين يعيشون بديانة قلبية لا ظاهرية.

فهو يتمنى القدوم إلى بيت الرب، ليس بطريق المراسيم الخارجية بل بطريق القلب والعبادة الحقيقية. هؤلاء وهم في سفرتهم إلى ديار الرب يجعلون من وادي البكاء نبعاً للفرح والهناء وسبيلاً للتعزية. وبدلاً من أن يملأوه بالدموع يحولونه إلى ينبوع، وهم في سفرة الحياة يشاهدون بركات الله فيتحول ضعفهم إلى قوة وتعبهم إلى راحة.

فتكون هذه السفرة إلى بيت الله لرؤية الله سفرة انتصار وغلبة، سفرة انتصار على ظروف الحياة الصعبة، وظروفها المعاكسة. عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً، وما هو وادي البكاء هذا؟

تحول وادي البكاء والتوبيخ إلى وادي البركة، وكل إنسان يسير مع الله ويثبت قلبه على الله فإذا جاء إلى مكان قاحل لا ماء فيه ولا سرور، يصيره مكان فرح وبركة ووحي إلهي.

مهما كانت الأرض قاحلة، جدباء، يستطيع القلب المؤمن أن يحولها إلى ينبوع يستقي منه البشر ماء للتعزية، طوبى لأناس في قلوبهم روح الله، الذين وهم عابرون وادي الشقاء والعناء والبكاء يحولونه إلى ينابيع بركات وصفاء وهناء.

معنى هذه العبارة أنه بإمكان الإنسان الذي يسير مع الله في هذه الحياة أن يحول الاختبارات المرة إلى اختبارات حلوة وإلى ينابيع عذبة.

أيها الأحباء من السهل أن يفرح الإنسان حين تكون الحياة زاهية، ومن المشاكل خالية ومملوءة بالسلام والاطمئنان , على أن الاختبارات في الحياة غير ذلك، أيضاً هناك أيام قائمة سوداء وفي الحياة طرق معوجة وملتوية مملوءة بالعراقيل الوعرة والأشواك الدامية.

وجميعنا اختبرنا مثل هذه الحالات. ربما من فشل أصابنا أو حزن انتابنا أو سقم أضعفنا أو حبيب فارقنا. وربما كان السبب ابتعادنا عن الله.

البعض منا عبروا طريق الاختبارات المرة هذه بدون الله فخسروا إيمانهم بالله وخسروا الرجاء بمستقبل أبدي، ودفنوا آمالهم البراقة في قبور فشلهم.

إن كل مؤمن وهو عابر وادي البكاء لا يصيره ينبوعاً لا يعرف معنى الحياة.

كل مؤمن وهو سائر في طريق الحياة الوعرة لا يسيطر على الظروف المعاكسة ولا يجعلها بركة له لم يدرك بعد القصد من الحياة.

«طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا».

كيف نصير وادي البكاء ينبوعاً:

1- السر هو في الإيمان الحي بالله:

وهذا هو الذي يغلب العالم إيماننا. الإيمان هو القوة التي تتغلب على الظروف وتسيطر على أحوال الحياة.

الإيمان هو انتصار الروح على العالم المادي، لأنه متى سار الإنسان في طريق الإيمان وثبت قلبه في الله، فلن يستطع شيء أن يقف أمامه لذلك قال المسيح: «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ» (متّى 20:17).الجبال مهما علت وعظمت وقويت لا تستطيع أن تغلق الطريق أمام المؤمن بالله المتوجه نحو الله، إذ يجب أن تكون لنا في الحياة نظرة روحية. وهي أن ننظر إلى الحياة بعين الإيمان.

أما إذا كنا نعيش هذه الحياة لتنعم الذات والتمتع باللذات، إذ لم يكن للحياة معنى سوى سعادة نفسنا ونجاحنا، وجمع الأموال، فستكون طريق الحياة وادياً للدموع، ذلك لأنه توجد أمور كثيرة لا يمكن للمادة أن تشتريها.

وماذا يفعل المال في وقت المرض الشديد ألا نعرف كثيرين من الذين أنعم الله عليهم بالثروة حين وقعوا في مرض مستعصي كم صرفوا أموالاً طائلة من المال ليشتروا بها صحتهم وحياتهم ولكنهم فشلوا.

الإيمان لا المال هو الذي يعلمنا معنى الحياة، الإيمان يعلمنا أنه في كل واد مظلم توجد الهامات سماوية، وفي كل رقعة جرداء من الأرض توجد ينابيع. السر لتحويل وادي البكاء إلى ينابيع ماء هو أن تكون لنا نظرة روحية في الحياة، وأن لا نسمح للمادة أن تسيطر علينا.

أما السر الثاني:

2- أن نجاهد حتى نكتشف الينابيع المدفونة في وادي البكاء:

الينابيع موجودة في كل مكان وعلينا أن نفتش ونحفر عميقاً، وسنرى المياه العذبة تتدفق من صحراء الحياة.

رسالة الله لنا في هذه الأيام هي أنه متى أصابتنا حالات الحزن والمرارة والمقاومات، لنثق أنه توجد تحتها ينابيع تحمل معها بركة لنا، فلنفتش ونحفر حتى نكتشفها.

هناك كثيرون يختاروا طريقاً لأنفسهم ويعللوا أنفسهم بالآمال الكبار ولكنهم يفشلوا، وبإمكانهم إن يسترسلوا في فشلهم ويدفنوا آمالهم وأمانيهم في وادي الخيبة والبكاء ولكنهم إن تأملوا في معنى ما مروا به وأدركوا إرادة الله من خلالها لجعلوها ينابيع عذبة.

نعم من الصعب جداً أن نضبط أنفسنا في هذه الحالات وأن لا نمتلئ ضغينة ومرارة، ولكن الرجل الرجل هو ذاك الذي يجد ينابيع محبة وحنان وبركات في وادي المعاكسات.