العودة الى الصفحة السابقة
حجر صدمة صخرة عثرة

حجر صدمة صخرة عثرة

جون نور


«الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ. الَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ، الأَمْرُ الَّذِي جُعِلُوا لَهُ» (رسالة بطرس الأولى 2: 7 – 8).

في مواقف كثيرة كان يسوع يواجه الفريسيين وقادة اليهود بقوة لدرجة كانت تضايقهم وتعثرهم، ولهذا السبب كرهوه وأرسلوه للصليب. ولكن يسوع كان يواجههم بالحق، وذلك لأنه كان يحبهم. فلقد واجههم يوماً قائلاً: « يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَني» (متّى 7:15 – 9).

لقد ضايقتهم تلك الكلمات التي قالها يسوع، فلقد سأله تلاميذه بعدما قالها: «أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا الْقَوْلَ نَفَرُوا؟» (متّى 12:15).

ولكن أنظر جيداً لرد فعل يسوع: «فَأَجَابَ وَقَالَ: كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ. اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ» (متّى 13:15 – 14).

لقد أعلن يسوع أن المواجهة بالحق تقلع فقط هؤلاء الذين ليسوا مغروسين بيد الأب السماوي. فكم من أشخاص ينضمون إلى كنائس أو أنواع خدمة مختلفة دون أن يكونوا بالفعل مرسلين من الرب؟ لذلك فالمواجهة التي تحدث لهم مع الحق دائماً ما تكشف عن دوافعهم الحقيقية وعادة ما تجعلهم يقلعون أنفسهم بأنفسهم.

لقد جاء يسوع إلى أهل وطنه ليخدم بينهم ولكن مع الأسف لم يستطع أن يمنحهم ما منحه لكثيرين غيرهم من حرية وشفاء.

فلقد قالوا عنه: «أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟ فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ» (متّى 55:13 – 57).

لقد كان الرجال والنساء في الناصرة يقولون عن يسوع: «من يظن نفسه هذا الرجل حتى يعلمنا وكأنه له سلطان علينا؟ إننا نعرفه ونعرف أصله، فلقد تربى هنا في وسطنا وهو لا يتعدى ابن نجار فمن أين أتى بهذا التعليم وهذه المعرفة؟».

حتى أهل بيته وأقرباؤه تضايقوا من يسوع في يوم من الأيام، فهم لم يكونوا سعداء بما كانوا يتعرضون له من ضغط بسبب ما كان يسوع يفعله ويقوله وكانوا غير راضين عن الطريقة التي كان يتصرف بها. فدعونا ننظر ما حدث:

«وَلَمَّا سَمِعَ أَقْرِبَاؤُهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ مُخْتَلٌّ... فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجًا وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. وَكَانَ الْجَمْعُ جَالِسًا حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجًا يَطْلُبُونَكَ. فَأَجَابَهُمْ قِائِلاً: مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟ ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى الْجَالِسِينَ وَقَالَ: هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي» (مرقس 21:3، 31 – 35).

حتى أقرباء يسوع ظنوا أنه مختل وخرجوا ليمسكوه، مرقس الرسول يوضح بعد ذلك أن أقرباؤه هم أمه وأخوته الذين وجدوه يوماً يعلم في بيت أحد الأشخاص بل أنه مكتوب في إنجيل يوحنا أن «إِخْوَتَهُ لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ» (يوحنا 5:7).

لا يعرف الكثيرون أن يسوع كان مرفوضاً من أقرب الناس إليه ولكنه لم يبالي بذلك لأن اهتمامه الأول لم يكن في إرضاء أقرباؤه وعائلته بل في أن يفعل مشيئة الآب، لذا لم يدع رغباتهم أن تتحكم في تصرفاته لأنه كان مصمماً على أن يطيع الآب سواء قبلوا أو رفضوا.

لقد كان أقرباء يسوع يظنون أنه مختل ولكن بسبب طاعته وخضوعه التام للآب انتهى الأمر بأن آمنوا به جميعاً وتبعوه بل أن يعقوب أخيه أصبح بعد ذلك راعي الكنيسة الأولى في أورشليم.

وهكذا نرى أنه إذا ساومنا في الحق وفي طاعة الرب لكي نرضي عائلاتنا وأقرباءنا، فإننا بهذا سوف نفقد قوة المسحة التي على حياتنا بل سوف نعوقهم عن أن ينالوا الحرية والخلاص.

عندما تقرر أن تعيش لتحقق إرادة الله في حياتك، فستجد نفسك لا تحقق مشيئة الناس ولا ترضي رغباتهم وشهواتهم والنتيجة ستكون أنك ستتألم في الجسد. لقد كان قادة اليهود المتدينين هم أكبر المقاومين للرب يسوع ذلك لأن المتدينين يؤمنون أن الرب يعمل فقط من خلال ما يعرفونه وما يفهمونه بأذهانهم، وهم يظنون أنهم هم الوحيدون الذين يفهمون طرق الله. فإذا كان المتدينون قد تضايقوا من يسوع منذ ألفي عام لأنه كان يتحرك بحسب قيادة الروح القدس، أفلا يتضايقون اليوم من كل شخص يتبع يسوع ويخضع مثله لقيادة الروح القدس؟

إذا كنت مزمعاً أن تعلن حق الإنجيل كما هو وبدون مساومة فاعلم أن هذا سوف يضايق الكثيرين منك، ولكن يجب عليك ألا تتراجع مهما حدث بل ضع في قلبك أنك سوف تطيع الرب مهما كانت التكلفة.

فلا تنتظر أن تأخذ هذا القرار وأنت تحت ضغط التجربة، بل خذ القرار الآن حتى تكون مستعداً لمواجهة أي ضغط في المستقبل.