العودة الى الصفحة السابقة
أنتم ملح الأرض أنتم نور العالم

أنتم ملح الأرض أنتم نور العالم

جون نور


«أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متّى 13:5 – 16).

يضع يسوع الموضوع في إطار مبسط للغاية: «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ.. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ».

لست ملحاً لمنطقتك أو بلدتك فقط، فهنالك ملح يكفي العالم بأسره! لست نوراً يضيء الشارع أمام منزلك فحسب، بل يضيء كل الأرض! عبارات لا تصدق، وفي غاية البساطة. إنما لا يفوتك التشديد على الكلمة «أنتم» في العبارتين: «(أنتم) ملح الأرض. (أنتم) نور العالم».

أنتم، نور العالم. أنتم! ملح الأرض. لا أحد سواكم. أنتم في الواجهة. أنتم جميعاً يا من تعرفتم بالمخلص. فعلى كل فرد منا انتمى إلى عائلة الله الأبدية، أن يكون ملحاً جيداً ونوراً مضيئاً.

لنتعمق أكثر في الموضوع. إن يسوع لا يقول، «تستطيع أن تكون ملحاً»، أو «ينبغي أن تكون نوراً»، بل «أنتم» كذلك. لا حاجة أن تصلي، «يا رب اجعلني ملحاً، أو يا رب اجعلني نوراً». أنت كذلك. ماذا يعني ذلك؟ كن على هذا المستوى كن الملح! وأضئ النور! فعلى الرغم من بساطتها تبقى هذه هي الخطة الإلهية التي رسمها الله لتناقض استراتيجية العالم «الموضوع في أحضان الشرير».

ما هو مؤكد أن العالم يتآكل في داخله، ولو كان ذلك بشكل بطيء ليست الحضارات فقط في طريقها إلى الزوال بل الأخلاق أيضاً. فالقواعد والمبادئ التي تبنتها ثقافاتنا اليوم، صنفها أسلافنا بالمخزية.

إن هذا الفساد القاتل قد زج عالمنا في ظلمة حالكة ومرعبة. وقد عزل بعض المؤمنين نفوسهم كلياً عن نمط حياة العالم. لدرجة أنهم باتوا يجهلون معه مدى غرق هذا العالم في ظلمة دامسة. إنهم لا يرون حقيقة العالم المضجر والسخيف والمرعب واليائس الذي لا رجاء له. وقد أضحى مرض نقص المناعة المكتسبة خطراً داهماً، كما اختطاف الأولاد والإدمان، والخوف من الشيخوخة، والنكبات المالية، والخيانات الزوجية، والانهيارات العاطفية. هذه كلها مظاهر لعالم مظلم نتن تظهر قليلاً ثم تختبئ في وادي الموت.

«َنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ» (متّى 13:5).

كان للملح دور أساسي قبل اكتشاف التبريد. فقد عرف الصيادون على سبيل المثال قيمته. فهم كانوا يحفظون السمك ضمن طبقات من الملح فور اصطياده. ريثما يتمكنون من تسويقه. ولطالما كان أسلافنا، الذين اعتادوا قطع المسافات عبر السهول والجبال. يحفظون اللحوم في جُعب مملوءة بالملح، أو ينقعونها في مياه شديدة الملوحة، بغية حفظها لمدة طويلة. لذا فالملح مادة حافظة. وبكلام آخر، هو يمنع الفساد.

والملح أيضاً يضفي نكهة على الطعام، فرشة صغيرة من الملح تغير طعم الأكل بسرعة مثيرة. وأهم ما يضفيه الملح على الطعام هو تلك «اللسعة» التي من الممكن أن يخسرها.

قال يسوع إنه يمكن للملح أن يفقد ملوحته. ماذا قصد بذلك؟ عندما يتلوث الملح بالأوساخ والرمال ومختلف القذارات، وكما قال «لا يصلح لشيء». (وتطبيقاً على أيامنا هذه، فإن كان أحد متقاعساً أو خمولاً أو لا ينجز عمله بالشكل المطلوب منه فهو «لا يصلح لشيء». إن هذه العبارة مستوحاة من كلام يسوع).

لنسأل انفسنا ما هو الهدف من النور؟ ليس الجواب معقداً. النور يطرد الظلمة. هل سبق أن اختبرت مرة ظلمة حالكة ودامسة؟

أتذكر كيف عرض يسوع الامر؟ «لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل». لا يمكنك إخفاؤها ولو حاولت ذلك. نورك موضوع على الجبل «أعمالنا الحسنة» تصدح كالبوق. فقط عش حياة مختلفة. وهذا سيثير حيرة الآخرين ويجعلهم يتساءلون، لماذا أنت لا تفعل ما يفعلونه. إنهم لا يعرفون لماذا تتمتع بالسلام والهدوء. كذلك لا يعرفون لماذا أنت خال من القلق أو الغم. هم يجهلون السبب الذي يجعلك تبتسم أكثر مما تعبس، حتماً سيتوقون لمعرفته.

إن جاذبية النور أمر مدهش. فعندما تتواجد في مكان مظلم وتحمل ضوءاً واحداً، تتوجه كل الأنظار نحوه. فالنور هو الذي يهدي الملاحين طريقهم عبر البحار. فقط دعه ينير. لا حاجة للطاقة الزائدة. لا حاجة لتصريحات علنية تقول فيها، «أنا أسير في النور». أضئ نورك فقط.

ماذا سيرى الناس؟ قال يسوع إنهم سيرون «أعمالكم الحسنة»، هل من مثال على ذلك؟ سيسمعون منك الكلام اللطيف؛ ويتبينون ابتسامتك؛ ويلاحظون أنك تتوقف لكي تشكرهم؛ ويسمعونك تعتذر في حال أخطأت؛ ويشاهدون مساعدتك لهم عندما يواجهون صعوبة ما؛ ويعرفون أنك أنت من توقفت في الطريق لتمد لهم يد العون. إنهم حتماً سيرون أعمالاً تشهد عن حياة يسوع فيك، «لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 16:5). ما أروع أن يأتي إلينا غير المسيحيين، وقد تحرك فضولهم لمعرفة سر ومصدر النور الذي نملكه.

لا تقلق بشأن الأقلاء الذين يقاومون هذا النمط من الحياة فليس من إنسانٍ يرضي الجميع. حتى الأنبياء العظام والرسل تعرضوا للنبذ، والإهمال والاستشهاد. لا تقلق بشأن الأقلية التي ترفض الملح وتقاوم النور. فقط أنثر الملح وأضيء النور.