العودة الى الصفحة السابقة
تحذير

تحذير

جون نور


«انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ» (متّى 4:24)

«الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ. الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (كولوسي 1: 26 و28).

التحذير علامة المحبة، لذا اقدم لكم تحذيرا فيه اردد ما قاله الرسول بولس: «لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا، بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ» (1كورنثوس 14:4).

كان ربان سفينة يقود سفينته في نهر تحت جبل مرتفع، فرأى نوراً من زورق صغير وسط النهر الضيق. فأتاه هاتف بأن لا يبالي بالإشارة التي أعطيت له، وأن يتقدم بالسفينة. وإذ اقترب سمع صوتاً: «قف مكانك. قف مكانك».

وفي غضب شديد لعن ما ظن أنه «بحار» يعترض طريقه. وإذ تقدم أكثر علم أن صخرة هائلة سقطت من الجبل في مجرى النهر، وأن تلك الإشارة وضعت هناك لتحذر السفن القادمة من الخطر المفاجئ. اعزائي المستمعين مما يؤسف له أن الكثيرين ينظرون إلى تحذيرات الله بنفس النظرة، ويستاءون من أي واحد يحذرهم من الصخور التي في طريقهم. ولكنهم في النهاية سيفهمون.

أتمنى أن أحذركم كما كان يسوع المسيح يحذر. فإنه إذ صعد على جبل الزيتون يبدو أن قلبه تحرك جداً فصرخ قائلاً: «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ!... كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!» (متّى 37:23).

عزيزي المستمع تأكد من أن الزرع الذي تزرعه زرع جيد. إن زرعت للجسد فمن المستحيل أن تحصد حصاداً جيداً. إذا زرع الزرع الجيد والزرع الرديء معاً فإنهما لا يفلحان. إذا نجح الواحد يكون ذلك على حساب الآخر. والأرجح أن الزرع الرديء هو الذي يفلح. فالأعشاب تنمو وتنتشر دائماً أسرع من الزرع الجيد.

يزعم الشبان بأنهم يجب أن يختبروا في حياتهم كلاً من الخير والشر. يا لها من حماقة. ليس مطلوباً مني أن أضع يدي في النار لكي أرى إن كانت تحترق.

عزيزي المستمع لا تهمل الفرص المقدمة إليك.

أحذر من الخطية. إن أجرتها موت (رومية 23:6). وأجرتها - كما يقولون - لم تخفض قط. الخطية تخدع الناس، إذ تبين لهم ما يجدونه فيها من لذة، وتهيئ لهم الأعذار التي يقدمونها، وتعمى عيونهم عن القصاص الذي ينتج عنها. لو لم تكن خادعة لما كانت براقة. إنها تأتي بثوب بريء براق، وتمتص دم الحياة، وتحرم المرء من القدرة على عمل الخير.

لا تخدعك اغراءات ومباهج هذا العالم. إنه يخدعك. ويؤدي بك إلى الهلاك. نجى اللورد نلسن سفينة فرنسية اسمها «ريدوبتابل» مرتين من التدمير. ومن نفس تلك السفينة أطلقت القنبلة التي قتلته. الشيطان يدهن خطايا كثيرة بالعسل، لكنها ممتزجة بالسم. إن اللذة الحقيقية تنبع من الزرع الجيد الذي للبر، ولا يوجد زرع آخر نافع.

قال بولس الرسول: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. إِذًا أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي... مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟» (رومية 18:7 - 24).

وشكراً لله لأنه استطاع أن يضيف هذه الكلمات بعد ذلك: «أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا!» (رومية 7: 25).

إن الحقيقة التي وضعها الله أمامنا واضحة جداً: «الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ» (يوحنا 36:3). ليس هنالك طريق متوسط: «الذي يؤمن»، «الذي لا يؤمن»، وقد ترك لنا حرية الاختيار، والمسؤولية واقعة على أنفسنا.

لقد أعطانا ربنا محكاً بسيطاً يعيننا في الاختيار: «مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا» (لوقا 43:6 و44).

ما هي ثمار الإسراف، والكبرياء، والطمع؟ ومن الناحية الأخرى ما هي ثمار الصلاة، ومخافة الله، وإتمام وصاياه؟ ما هي ثمار العبادة الوثنية؟ تطلعوا إلى إفريقيا، والصين، والهند، وجزر البحار بآلهتها الخشبية والحجرية. ماذا تكون عقلية الشعب الذي يرتضى أن يعبدها، وماذا تكون حالته الأخلاقية؟

هل يمكن للديانات الأخرى أن تجوز هذا الامتحان؟ لعل الفلسفة الرواقية كانت أنبل الفلسفات اليونانية، لكنها سرعان ما انحدرت إلى الاستباحة. واعتقدت بأن الوصول إلى الفضيلة أمر مستحيل.

المسيحية وحدها هي التي تجوز امتحان انتشال الإنسان من الوهدة. وما هو الطريق الذي تسلكه لكي تتمم هذا؟ ليس بالتصغير من شأن الخطر والحاجة. فهي تقول «كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ» (إشعياء 5:1، 6) أول ما نطلبه هو تجديد الحياة بالروح القدس. لا تضع التقديس قبل التبرير، لكنها إذ تهب أولاً حياة من فوق تحيط الخاطئ المفدى بمحبة المسيح، وتمتعه بشركة وإرشاد الروح القدس.

احذروا. ينبغي إما أن تضحوا بالخطية، أو أن تضحوا بالسماء. سيروا في طريق البركة. ضعوا في قلوبكم أن تنتصروا على الخطية بنعمة الله.

«لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ» (إشعياء 7:55).