العودة الى الصفحة السابقة
عندما يزرع الإنسان يحصد

عندما يزرع الإنسان يحصد

جون نور


«هُوَذَا الْفَّلاَحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ، مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ» (يعقوب 7:5).

اعزائي المستمعين لنلاحظ بعض الحقائق عن الزرع والحصاد:

1 - عندما يزرع الإنسان يتوقع أن يحصد.

2 - يتوقع أن يحصد نفس نوع ما زرع.

3 - يتوقع أن يحصد أكثر مما زرع.

4 - الجهل بنوع البذار لا يغير من حقيقة الأمر الواقع.

لو استمر الفلاح يزرع دون أن يحصد قط لاعتبرته مجنوناً. لكن كل مزارع يتطلع دائماً إلى الوقت الذي يحصد فيه أجر تعبه. ولا يشعر بخيبة أمل لأن محصوله لم ينضج في ليلة.

لكنه يتطلع في صبر، عالماً أن وقت الحصاد سوف يأتي في الوقت المناسب.

هكذا الحال في حصاد تصرفاتنا، قليلون جداً من الناس - إن وجدوا - يمتنعون عن الخطية إن كانوا لا يتوقعون منها لذة. فالسكير لا يشرب الخمر لمجرد الرغبة في شربها، بل على رجاء أن يجد فيها متعة. واللص لا يسرق لمجرد السرقة، بل من أجل ما يرجوه من ربح. وهكذا الحال مع الرجل الصالح. فإنه لا يقدم التضحيات من أجل التضحيات، بل لأنه يتوقع أن يصنع الخير ويساعد الآخرين. هذه كلها وسائل من أجل غايات. وفي كل حالة يتوقع الحصاد.

تأمرنا الآية بأن نتطلع إلى يقينية الحصاد «الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية 6: 7).

نحن نعرف معنى الفشل في المحصولات. أما في عالم الروح فلا مجال لمثل هذا الفشل. التربة الرطبة قد تعفن البذار، والصقيع قد يلفح البراعم الصغيرة، وقد يكون الجو رطباً أو جافاً أكثر مما يلزم لينضج المحصول. لكن لا شيء من هذه يمنع حصاد تصرفاتنا.

فالكتاب المقدس يخبرنا بأن الله سيجازي كل واحد حسب أعماله...

ويجب أن لا نتجاهل بأن الحصاد يأتي كنتيجة حتمية للزرع. ليس الله مستبداً ظالماً. إنه لا يجلس على عرش، يحكم بالقصاص على أعمال معينة إذ يقف أصحابها للدينونة. إنه قد وضع نواميس معينة، أحدها ناموس الزرع والحصاد، والقصاص هو النتيجة الطبيعية للخطية. لا مفر من هذا ومع أنه قد يشترك معك غيرك في الحصاد فإنه لا يمكن أن يحصد غيرك نيابة عنك.

إن كل الرغبات، وكل التصرفات، التي لا يكون الله غايتها وهدفها، هي زرع للجسد. إن كان إنسان يزرع لكي يحصد ثروة أو مطامع، فإنه يزرع للجسد، وسوف يحصد فساداً، ويشبه تماماً الكاذب والزاني. ليس أمراً ذا بال إن كانت البذار مؤدبة، ومهذبة، ومحترمة. وليس أمراً ذا بال إن كانت تشبه تماماً البذار الجيدة فإن طبيعتها الحقيقية سوف تظهر وقت الحصاد، وعليها سمة الفساد.

ما أحمق الناس في خصوماتهم ومنازعاتهم إزاء هذا التفكير.

يضحي الكثيرون بالوقت، والصحة، بل حتى بمبادئهم، في سبيل الثروة. وماذا يجنون؟ الفساد. يجنون ما ليست له صفة الدوام، ليست له صفة الحياة الأبدية. قال يوحنا الرسول: «الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ» (1يوخنا 17:2). وقال بطرس الرسول: «كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. الْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ» (1بطرس 24:1). ليست لهذه الأشياء الجسدية صفة الدوام. فأنت، حتى في حياتك القصيرة، قد تعيش أكثر منها.

عند الله لايوجد حلول وسط.

والآن يرتكب الناس هذه الغلطة، فإنهم يزرعون للجسد متوهمين أن يحصدوا حصاد الروح. ومن الناحية الأخرى هم يزرعون للروح وتخيب آمالهم عندما لا يحصدون محصولاً زمنياً.

كل شيء يحصد حصاده، كل عمل ينال أجره. وقبل أن تطمع في التمتع بالنعمة التي لدى الآخر يجب أولاً أن تحسب حساب النفقة التي تكبدها حتى حصل عليها.

اعزائي المستمعين الزرع للروح يتضمن إنكار الذات، مقاومة الشر، إطاعة الروح (القدس)، السلوك في الروح، الحياة في الروح، الاسترشاد بالروح. نحن نزرع للروح عندما نستخدم كفاءاتنا ومواهبنا للتقدم في الروحيات، عندما نعضد ونشجع الذين يوسعون دائرة تأثير الروح (القدس). نحن نزرع للروح عندما نصلب الجسد وشهواته، عندما نسلم ذواتنا للروح (القدس) كما سلمنا ذواتنا مرة للجسد. قال مرة أحد العلماء: «في كل إنسان عنصران، عنصر طيب وعنصر شرير. فمن يسلم لله عنصره الشرير فإنه يقدم أحسن ذبيحة».

إن ثمر زرع كهذا هو «مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ» (غلاطية 22:5 و23).

الحصاد في هذا العالم هو نمو في الأخلاق، مزيد من الاحترام، مزيد من النفع للآخرين، وفي العالم الآخر قبول لدى الله، الحياة الأبدية.

قال بولس الرسول: «فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ» (غلاطية 9:6).

«لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعًا، فَلِذلِكَ قَدِ امْتَلأَ قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ الشَّرِّ. اَلْخَاطِئُ وَإِنْ عَمِلَ شَرًّا مِئَةَ مَرَّةٍ وَطَالَتْ أَيَّامُهُ، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ اللهَ الَّذِينَ يَخَافُونَ قُدَّامَهُ. وَلاَ يَكُونُ خَيْرٌ لِلشِّرِّيرِ، وَكَالظِّلِّ لاَ يُطِيلُ أَيَّامَهُ لأَنَّهُ لاَ يَخْشَى قُدَّامَ اللهِ» (جامعة 11:8 - 13).

إنها لفكرة مميتة أن ما يعمل في الظلام لن يؤتى به إلى النور. فالله يقول إنه يؤتى به إلى النور. وأنها لحماقة من الرجل الذي يخبئ خطاياه أن يتوهم بأنها لن تنكشف، ولن يحاسب عنها أخيراً. أنظر إلى أبناء يعقوب. لقد باعوا يوسف، وخدعوا أباهم بعد مضي عشرين سنة تعقبتهم خطيتهم في مصر، لأنهم قالوا: «حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا» (تكوين 21:42) لقد حل وقت الحصاد أخيراً لأولئك الأخوة العشرة الذين باعوا أخاهم. وعرفوا ان زرعهم كان ردياً.