العودة الى الصفحة السابقة
المسيحي الواضح

المسيحي الواضح

جون نور


«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذْ لَنَا هذِهِ الْخِدْمَةُ ­كَمَا رُحِمْنَا­ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ قَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا الْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلاَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، بَلْ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ، مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ اللهِ» (2كورنثوس 1:4، 2).

هذه الآية التي تلوتها على مسامعكم تتكلم إلى قلب كل مؤمن عن الطريقة التي بها يستطيع المؤمن أن يعكس إنجيل المسيح بقوة – «بِإِظْهَارِ الْحَقِّ» – ليس فقط بالمناداة بالحق، بل بإعلانه وإظهاره في حياتنا وفي سلوكنا حتى يمكن لروح الله أن يستخدمنا «بقُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (رومية 1: 16). فانتم ايها المومنون «أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا... مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ... مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ» (2كورنثوس 2:3، 3).

إن الروح القدس يريد أن يكتب رسالة حق الإنجيل في حياتنا بحروف كبيرة بارزة. فالإدراك الروحي للإنسان الطبيعي ضعيف، ورؤيا الحق الروحي عنده مهزوزة، لأن الشيطان يحاول دائماً أن يلقي بحجاب كثيف فوق عينيه... ولذلك فإن المطلوب هو «مؤمن واضح»، مؤمن يمكن قراءته بسهولة، من أول نظرة.

نعم، إن المناداة بالإنجيل يجب أن تدعمها من الخلف حياة روحية مؤثرة، فيكون ختم الروح القدس عميقاً وواضحاً بلمعان قوي يستطيع أن يميزه الناس ويقرأوه.

ليتنا نطلب مجد الله وتوجيه الأنظار نحوه وحده لا سواه، لأنه هو صاحب القدرة والسلطان، والمستحق لكل تسبيح وتمجيد وسجود وإكرام.

إن دوافع قلوبنا في الداخل تهم الله كثيراً. قد نخدم، قد نكد ونتعب، وقد نجاهد ونكافح، ولكن ما هي الدوافع إلى كل ذلك؟! هذا ما يهم الله فعلاً، من ثم فواجبنا أن نرفض وندين خفايا الخزي في قلوبنا.

ليت الله يدركنا فنتنبه لما قد تحويه قلوبنا من شر خفي: «لِئَلاَّ يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ» (2كورنثوس 11:2). عندما قال إرميا إن القلب «أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟» (إرميا 17: 9) فقد ضمن في عبارته هذه – بالروح القدس – كل ما يمكن أن يتصف به القلب من غلّ، وعدم أمانة وشر، وكبرياء، وحسد، وكراهية، وشهوة...

مطلوب منا أن نعلن إنجيل يسوع المسيح في حياتنا، في سلوكنا، وفي حديثنا. إن الناس ينتظرون أن يقرأوا حياتنا ويروها قبل أن يفهموا ما ننادي به. نعم، حياتنا أولاً، ثم تعليمنا. لذلك قال هندردال: «هناك أكثر من العظة من على المنبر – هناك الإنسان نفسه». نعم، يجب أن نكون «عاملين بالكلمة» وليس واعظين بها فقط، وإلا نكون خادعين نفوسنا.

هذا يعني أننا بإظهارنا للحق، وبإعلاننا عنه في حياتنا كما في كلماتنا، بهذا نستطيع أن نضمن مدحاً غالياً، مباركاً، مقبولاً عند الله، لأنفسنا، وفي هذا شهادة عنا لدى ضمير الناس، مما ينتج عنه مدحنا، فتفرح قلوبنا، ليس لأننا نعظم في نظر الناس لمجرد حبنا في العظمة، بل لأن هذا يعود على الله بفائدة كبرى إذ يتمجد اسمه القدوس في حياتنا... «لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ» (2كورنثوس 12:1).

في بعض الأحيان لا يكون هناك توافق بين أقوالنا وأعمالنا، وعقيدتنا الكبرى تحطمها كلماتنا الصغرى.

– كما يقول الرسول – «لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ ِللهِ، فِي الَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الَّذِينَ يَهْلِكُونَ. لِهؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ» (2كورنثوس 15:2، 16).

لذلك يجب أن نكون متيقظين لما نعظ به، وليكن وعظنا مطابقاً لسلوكنا، وسلوكنا متوافقاً مع وعظنا، أي أننا نعظ بالحق ونسلك أيضاً في الحق. في (2كورنثوس 7:4 – 11) نرى أنفسنا في ضعفنا كأوان خزفية، مكتئبين في كل شيء، متحيرين، مضطهدين مطروحين، حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع – لكن الحقيقة أن هذا كله ليس خسارة، ولا ضياعاً، ولا هزيمة، بل أن الله يعمل فينا وبنا من أجل مجد اسمه، لذلك فإن كان كل هذا «من أجل الرب يسوع»، وأنه باختبارنا هذا نعلن أن «فضل القوة لله لا منا» ، فنكون إذاً غير متضايقين، ولا يائسين، ولا متروكين، ولا هالكين، لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا! بمعنى أن حياة المؤمن بهذه الكيفية تصبح تكراراً لحياة الرب يسوع، وهكذا أيضاً نكمل «نقائص شدائد المسيح» في جسدنا. فاضطراباتنا، وآلامنا، وحربنا الروحية تشبه آلام ومتاعب ربنا الذي مات من أجلنا، «طارحين كل ظنون»، «ومستأسرين كل فكر لطاعة المسيح».

ومع أن هذه المتاعب والآلام هي وسيلة بمعنى ما، إلا أنها ليست الهدف أو الغاية في حياتنا المكرسة. ونحن في ذواتنا ليست فينا قدرة أو قوة، وليس ساكن في جسدنا شيء صالح. فقلوبنا تخدعنا، وعزائمنا تخور، وتصميمنا يتحطم، وليس في ذواتنا أية كفاية بالمرة. وعندما نصل إلى هذه الحقائق، تتلاشى الذات فينا فتتجه قلوبنا بالشكر نحو إلهنا الذي: «الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ» (2كورنثوس 14:2).

فليتنا إذاً نضم صوتنا مع بولس الذي قال: «فَإِذْ لَنَا رُوحُ الإِيمَانِ عَيْنُهُ، حَسَبَ الْمَكْتُوب: «آمَنْتُ لِذلِكَ تَكَلَّمْتُ»، نَحْنُ أَيْضًا نُؤْمِنُ وَلِذلِكَ نَتَكَلَّمُ أَيْضًاً» (2كورنثوس 13:4). نحن نتكلم عن ثقة في إلهنا، عن إيمان راسخ فيه... نعم، نحن أيضاً آمنا لذلك تكلمنا.