العودة الى الصفحة السابقة
شفاعة المسيح

شفاعة المسيح

جون نور


«هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين 25:7).

قديماً صرخ أيوب قائلاً: «لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا» (أيوب 33:9). لقد كان أيوب يبحث عن شفيع يتوسط بينه وبين الله. وهكذا كل البشرية كانت تحتاج لمن يقربها لله ويشفع فيها أمام الخالق الديان. إن المسيح له المجد أتم عمله الكفاري على الصليب. وإذ قام من الأموات في اليوم الثالث وجلس عن يمين العظمة في الأعالي، ليشفع في المؤمنين، وما زال يقوم بعمل الشفاعة الذي لم يكتمل بعد حتى يدخل عروسه للسماء. ويوضح كاتب رسالة العبرانيين هذه الحقيقة إذ يقول عن المسيح: «بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي» (عبرانيين 3:1). إنه جلس لنا كرئيس الكهنة الأعظم أمام الله الآب كي يشفع فينا، «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ» (عبرانيين 14:4).

مؤهلات رئيس الكهنة:

إن رئيس الكهنة قديماً كان يجب أن يتوفر فيه شرطان هما:

1 – أن يكون من بين الشعب وله شركة مع اخوته.

2 – أن يكون مختاراً من الله ومعيناً لهذه الوظيفة.

هذان الشرطان توفرا في شخص المسيح له المجد. إنه أخذ طبيعتنا وحل بيننا وعاش كإنسان مختبراً كل شيء في الحياة ما عدا الخطية. لقد انطبق عليه القول: «لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَاِ للهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا، قَادِرًا أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ، إِذْ هُوَ أَيْضًا مُحَاطٌ بِالضَّعْفِ» (عبرانيين 1:5 – 2). لقد اختبر الإنسانية في كل صورها ما عدا الخطية، لأنه عاش كإنسان كامل مرضي في كل شيء أمام الله الآب بضمير بلا عثرة من نحو الله والناس.

والمؤهل الثاني لرئيس الكهنة هو أن يكون مختاراً من الله: «وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا» (عبرانيين 4:5). هذا الشرط توفر في المسيح إذ يقول الكتاب: «كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ:«أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ» (عبرانيين 5:5). أيضاً يقول: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ» (عبرانيين 6:5).

إمكانيات رئيس الكهنة:

1 – يقدر أن يعين المجربين: «مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين 17:2 – 18). إن رئيس الكهنة الأعظم قادر على إعانة المجربين لأنه تجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. إنه اجتاز قبلنا في وادي الدموع والتجارب ويعرف كل مضايقات ومحاربات عدو الخير، ويقدر أن يعيننا في كل تجربة تصادفنا.

2 – يقدر أن يرثى لضعافتنا: «لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ» (عبرانيين 15:4). إنه يشاركنا في كل ما نجتاز فيه. إنه لا يرثى لخطايانا ولا يتساهل مع الخطية والشر، لكنه يدين الخطية. إنه يرثى لكل من يعترف بخطاياه ويشعر بضعفه ويطلب منه المعونة. إنه يرثى لنا عندما يحيطنا الشيطان بإغراءات العالم والشهوة. إنه لا يتركنا لكنه يصب زيت الروح القدس في قلوبنا حتى يحفظ الشعلة المقدسة في داخلنا، لنرفض خفايا الخزى وندوس العالم بعز، ولا نلبي نداء الشيطان والعالم. هو يرثى لنا بنعمته الغنية فيحيطنا بوسائط النعمة ويدعمنا بقوة الروح القدس حتى نثبت في التجارب التي تصادفنا.

3 – يقدر أن يخلص: «لَهُ كَهَنُوتٌ لاَ يَزُولُ. فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين 24:7 – 25).

هو يعطى الخلاص بكل مشتملاته: خلاص من قوة الخطية (متّى 21:1)، ومن الأخطار (متّى 25:8)، ومن الأمراض (متّى 21:9)، ومن الدينونة (متّى 23:10). خلاص من الشيطان ومن كل ما يضايقنا في هذه الحياة. إنه خلاص كامل وتام وإلى التمام لأنه حي في كل حين ليشفع فينا. هللويا!!

توضيح الشفاعة:

كانت صلاة المسيح وهو على الأرض صلاة شفاعية من اجل تلاميذه. لقد قال الرب لبطرس: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لوقا 31:22 – 32). لقد تشفع المسيح له المجد من أجل بطرس حتى لا يفنى إيمانه. وكانت هذه الصلاة الشفاعية لها قوة عجيبة. فعندما سقط بطرس في الخطية وأنكر سيده أمام الجارية، شعر بتبكيت شديد فخرج وبكى بكاءً مراً. رجع للرب بكل قلبه. نعم، لم يفن إيمان بطرس نتيجة صلاة المسيح الشفاعية من أجله.

أما عن أساس الشفاعة

إن أساس شفاعة المسيح هو ذبيحته الكفارية على الصليب من أجلنا. فكما كان رئيس الكهنة يدخل مرة في السنة إلى قدس الأقداس إلى داخل الحجاب بدم الذبيحة، وبالبخور (لاويين 11:16 – 14)، هكذا فإن المسيح بعد ما أتم عمل الفداء دخل إلى السماء عينها. وهو موجود الآن في السماء ليشفع فينا بدمه وبكمالاته وبره.

أما عن طريقة الشفاعة:

1 – ليست بالكلام: في يوم الكفارة العظيم كان رئيس الكهنة يدخل داخل الحجاب في قدس الأقداس دون أن ينطق بكلمة، لكنه يحمل دم الكفارة ويقدم البخور أمام الله. على هذا النحو فإن شفيعنا يظهر أمام الله الآب حاملاً في جسده الممجد آثار الجراحات التي جرح بها لأجلنا، وعندما يرى الآب هذه الجراحات، يقبل شفاعة الإبن من أجلنا حاسباً لنا بر المسيح وكمالاته. وثاني طريقة للشفاعة هي:

2 – ينوب عنا أمام الله: «لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا» (عبرانيين 24:9). إنه كان بديلنا على الصليب، وهو ممثلنا في السماء. من أجل هذا يقول الرسول بولس: «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!» (رومية 10:5). أي نخلص بشفاعته الدائمة أمام الله من أجلنا بعد قيامته. وثالث طريقة للشفاعة هي:

3 – يتقبل صلواتنا ويقدمها للآب: «وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِيَ بَخُورًا كَثِيرًا لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ الْعَرْشِ. فَصَعِدَ دُخَانُ الْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ أَمَامَ اللهِ» (رؤيا 3:8 – 4). إن صلوات جميع المؤمنين ترتفع للسماء بالروح القدس فيتقبلها المسيح له المجد ويقدمها أمام الله الآب، الذي يتمجد في استجابته لهذه الصلوات. «وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ» (يوحنا 13:14).