العودة الى الصفحة السابقة
التعويضات الإلهية

التعويضات الإلهية

جون نور


في الأصحاح الثالث من سفر دانيال النبي نقرأ عن الثلاثة فتية الذين ألقاهم نبوخذ نصر في أتون النار، وكيف نجاهم الله من الأتون: لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ، وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ، وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ (دانيال 27:3). وإذ نتأمل في هذه القصة المباركة نستخلص الحقائق الآتية:

مصادر الإيمان

رفض الثلاثة الفتية السجود لتمثال نبوخذ نصر الملك بينما «خَرَّ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ وَسَجَدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ» (دانيال 7:3). غضب الملك وقال لهم: «إِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمَنْ هُوَ الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟» (دانيال 15:3). لم يرتعب الفتية أمام تهديد الملك لكنهم أعلنوا إيمانهم وشهادتهم للرب بأكثر قوة. لقد أعلنوا للجميع هذه الأمور الثلاثة:

أولاً – إيمانهم المطلق في قوة الله غير المحدودة:

كانت إجابتهم للملك قوية وصلبة، إذ قالوا له: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ» (دانيال 16:3 – 17). إن مصدر إيمانهم كان في ثقتهم بقوة الله العظيمة. لقد ظن نبوخذ نصر الملك أنه أعظم قوة حاكمة وأنه يستطيع كل شيء. لكن الثلاثة فتية واجهوه بهذه الحقيقة، كونه مخلوق ضعيف أمام عظمة الله وقدرته غير المحدودة. لقد عظم الفتية إلههم وأعطوا كل المجد للرب القدير بينما جردوا نبوخذ نصر من لقب الملك حتى يستفيق من غروره ويسجد هو بدوره للرب معهم ويحطم التمثال الذهبي الذي صنعه لنفسه.

قالوا للملك إن الرب قادر على خلاصهم، وإرادته صالحة من جهتهم، وهو سينجيهم من يده ونيرانه، وإنهم قابلون مشيئة الله على أي وجه وفي أية صورة، كان خضوعهم لمشيئة الله الصالحة هو سر إيمانهم وقوتهم وصلابتهم. لقد كان لهم هدف واحد هو مجد الله في حياتهم، وإرضاء الله سواء بموت أو بحياة، من أجل هذا لم يرتعبوا من أتون النار ولم ينكروا إيمانهم.

إمتحان الإيمان في حياة الفتيان الثلاثة

لقد دخل إيمان الثلاثة فتية في بوتقة الامتحان. كان عليهم يختاروا بين السجود لتمثال الملك أو الطرح في أتون النار. إن الملك لم يطلب منهم إنكار إيمانهم بإلههم وترك ديانتهم، لكنه طلب منهم مجرد السجود للتمثال. وكان عليهم أن يختاروا ويقرروا مصيرهم. فماذا كان موقفهم يا ترى في هذا الامتحان؟ إنهم اختاروا الطريق الصعب وقرروا أن يضحوا بحياتهم في سبيل الشهادة للرب أمام كل الجموع المحتشدة.

إن الله لم ينج الثلاثة فتية قبل أن يلقوا في أتون النار، مع أنه كان قادراً على ذلك. لكنه سمح أن يرموا في النار المتقدة سبعة أضعاف، كي يتمجد في خلاصهم من وسط النار. قد يظن البعض أن أعظم مقياس للبركة الروحية هو النجاة من التعرض للتجربة، لكن هذا غير صحيح. لقد قال السيد المسيح لتلاميذه: «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ» (يوحنا 33:16). إن الله لم يعدنا بالمناعة ضد التجربة. إن المسيح له المجد قد تجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية، «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين 18:2). إن ما نتعلمه في أتون النار في بضعة أيام أعظم بكثير جداً مما ندركه في سنين عديدة خارج الأتون. إننا نخرج من التجربة أكثر إيماناً وقوة ونضارة وحرارة. إننا نخرج من التجربة ومعنا إله أقوى وأعظم وأمجد مما كنا ندرك في الماضي.

لا بد للإيمان من تعويضات ومكافآت. لقد جاهر الفتية بإيمانهم أمام الجميع لذلك قصد الرب أن يكون جزاء إيمانهم واضحاً للجميع.

تحير نبوخذ نصر وقال لمشيريه: «أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَال مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟. هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ» (دانيال 24:3 – 25). لقد لفت نظر نبوخذ نصر هذا الرابع في مجده وبهائه. هذا الذي جاء من سماه ونزل إلى أتون النار ليكون مع الشهود الأمناء. إن الفتية لم يتمتعوا من قبل بمثل هذه الحضرة الإلهية العجيبة. لكنهم في وسط النار كانوا يتمشون مع الرب ويتجاذبون الحديث المبارك مع شخصه، فرأوه في مجده القوة لقد ظهرت قوة الله المعجزية في السيطرة على طبيعة النار الآكلة، التي لم تتمكن من إصابة الفتية بأي ضرر..ل ا بل إن النار حلت قيودهم فأصبحوا محلولين يتمشون في النار مع الرب. هللويا! إن نار التجربة لا تحرق المؤمن، لكنها تحطم القيود والسلاسل التي تمنعه من السير مع الرب.

إن المعجزة التي حدثت كانت أمام عيون الجميع، لقد أخرست جميع الألسنة وأدهشت وحيرت كل العقول، وغيرت كلمة الملك وفكره. فقال الملك: «تَبَارَكَ إِلهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْلاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلهٍ غَيْرِ إِلهِهِمْ» (دانيال 28:3) نعم، تزكى إيمان الفتية، وتمجد الرب أمام الجميع، وقال الملك: «فَمِنِّي قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ بِأَنَّ كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِالسُّوءِ عَلَى إِلهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا، وَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً، إِذْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَ هكَذَا» (دانيال 29:3). لقد تزكى إيمان الفتية أمام الجميع واحتلوا مركزاً أسمى مما كانوا فيه، إذ يقول الكتاب: «حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ» (دانيال 30:3).