العودة الى الصفحة السابقة
مكرهة الرب

مكرهة الرب

جون نور


«هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ» (أمثال 16:6)

في سفر إشعياء النبي نقرأ عن كيفية سقوط الملائكة، إذ يقول: «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ» (إشعياء 12:14 – 15). إن مكرهة الرب هي «عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ» (أمثال 17:6). إن خطية الكبرياء هي التي أسقطت الملائكة وحولتهم إلى شياطين.

الكبرياء وشناعتها:

أول خطية يكرها الرب هي الكبرياء، وأول خطية سقط فيها الملائكة هي الكبرياء. أيضاً آدم وحواء طردا من الجنة بسبب الكبرياء، لأنهما سمعا لقول الشيطان: «اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تكوين 5:3). حقاً إن الخطية مكرهة الرب. والكتاب المقدس يوضح لنا هذه الحقيقية إذ يقول: «مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ» (مزمور 5:101). ويتحدث الوحي على لسان سليمان الحكيم قائلاً: «الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَظُّمَ وَطَرِيقَ الشَّرِّ وَفَمَ الأَكَاذِيبِ أَبْغَضْتُ» (أمثال 8: 13).

لا توجد كلمات نستطيع بها أن نصف مقدار كراهية الرب للكبرياء. إن الله يقاوم المستكبرين ولا يمكن للمتكبر أن يتقابل مع الله ما لم يتضع وينكسر أمامه. إن خطية الكبرياء تحجب وجه الله عن الإنسان وتجلب عليه الدمار والقصاص.

الكبرياء وماهيتها:

إن كلمة «متكبر» معناها «ذلك الشخص الذي يعتبر نفسه أفضل من غيره» . وهي خطية ضد الله والإنسان.

إن المتكبر يشعر بعدم حاجته لله. ويظن أنه يستطيع الاستغناء عن الله. لقد دخلت الكبرياء قلب آدم فتصور أنه يقدر أن يعتمد على نفسه وأنه ليس في حاجة إلى الله، لأنه سيصبح مثل الله. هذه الخطية جلبت الويل على آدم وعلى الجنس البشري كله. إن الكبرياء هي الاكتفاء بالذات دون الاعتماد على الله. إن المسيح له المجد وهو في كمال اتضاعه قال هذه العبارة: «أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا» (يوحنا 30:5) إنه وضح لتلاميذه مقدار اعتماده على الآب واتحاده به. إن الكبرياء هي الاعتداد بالذات والابتعاد عن الله.

الكبرياء ومظهرها:

كبرياء الإنسان تستطيع أن تتشكل وتتغير من ظرف إلى ظرف ومن مكان إلى مكان ومن إنسان إلى إنسان. فقد تظهر الكبرياء في صورة العظمة والتعالي، لكنها أيضاً قد تأخذ مظهر التواضع المزيف. فهناك كبرياء عقلية، وكبرياء روحية، وكبرياء اجتماعية، وكبرياء جنسية.

لقد كانت الكبرياء العقلية هي خطية أهل كورنثوس. لقد ظنوا أن مستوى إدراكهم العقلي يفوق غيرهم بكثير وانطبق عليهم قول الكتاب: «الْعِلْمُ يَنْفُخُ» (1كورنثوس 8: 1). هذه الخطية اتصف بها كثير من العلماء والأذكياء فطوحتهم بعيداً عن الفهم الروحي. إن من ينتفخ بعلمه يفقد هذا العلم ويصير جاهلاً، لأن بداية العلم هي التواضع. أما الغرور فهو نهاية العلم.

أما الكبرياء الروحية فهي خطية بعض المؤمنين الذين يفتخرون بمواهبهم وروحانيتهم وخدماتهم وأثمارهم. ففي نهاية أقوى عظة عن التواضع قد يمتلئ صاحبها بالكبرياء والغرور. إن المؤمن في حاجة مستمرة إلى نعمة الله كي تحفظه من السقوط في هذه الخطية. وكلما نضجت مواهبنا وعلت روحانيتنا وأثمرت خدماتنا، كلما تعرضنا لخطية الكبرياء الروحية.

الكبرياء وبرهانها: الإنسان المتكبر رغم أنه مكبل بسلاسل الكبرياء والذات لكنه لا يشعر بها ولا يدرك أنه متكبر، بينما كل من حوله يسمعون رنين السلاسل الغليظة التي تكبله والتي تظهر في كل تحركاته وكلماته وتصرفاته.

الكبرياء وعلاجها:

إن الكبرياء ينبغي أن تستأصل تماماً. يجب أن تتلاشى وتنتزع من القلب بالتمام حتى نختبر البركات الروحية والأمجاد السماوية. والخطوات الأساسية للقضاء على الكبرياء تتلخص فيما يلي:

1 – معرفة النفس: فعندما تدرك النفس عدم استحقاقها. وعدم أهليتها، وعندما يعرف الإنسان ضعفاته ونقائصه ويفهمها جيداً وبإخلاص عندئذ يكون قد صعد على أول درجة للقضاء على الكبرياء.

2 – التهذيب والتقويم: إن الله قد يسمح بالألم لأولاده كي يخلصهم من الكبرياء أو يحفظهم منها. نعم، قد يحيط الله أولاده بالألم كي يحفظهم من الكبرياء، وقد تكون شوكة الجسد لازمة جداً للمؤمن حتى لا يسقط في خطية الكبرياء. وقد يكون ملاك الشيطان مرسلاً بسماح من الله لأجل هذا الغرض.

3 – قمع الجسد: إن الفلاح الماهر يقطع الحشائش الضارة وهي صغيرة جداً ويبعدها عن الزرع الجيد لئلا تفتك به. وهكذا المؤمن يحتاج أن يقمع جسده ويميت رغباته ويصلب شهواته حتى لا تتحرك فيه روح الكبرياء ولا تظهر أعمال الجسد في حياته.

4 – القياس الصحيح: عندما يقيس الإنسان حالته على غيره ربما يعتريه روح الكبرياء، وعندما يقارن نفسه بمن حوله قد يشعر بشيء من الفخر والاعتزاز. لكن حين يقف الإنسان أمام الحضرة الإلهية يشعر بجرمه وخطاياه.

5 – التغيير المجيد: إن أعظم علاج للكبرياء التي فينا هو الوجود في حضرة الله بتذلل وانسحاق وترك أنفسنا بين يدي الله، حتى يعمل فينا روح الله القدوس فيخرج كل كبرياء فينا ويطبع فينا الفضائل المسيحية والكمالات الإلهية، كما قال الرسول بولس: «وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كورنثوس 18:3).