العودة الى الصفحة السابقة
قوة الله المكملة

قوة الله المكملة

جون نور


«لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ» (2كورنثوس 9:12).

الله في حكمته يختار الضعفاء ليظهر فيهم قوته. هذه الحقيقة يوضحها لنا الوحي على لسان الرسول بولس إذ يقول: «فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ، بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ» (1كورنثوس 1: 26 – 29).

يا للعجب! إن القادة في جيش عمانوئيل جيش الرب، هؤلاء الذين يتقدمون الصفوف هم من جهال العالم، الضعفاء الأدنياء المزدرى وغير الموجود كما يصفهم الكتاب، لكن الله اختارهم ليعلن فيهم قوته وجلاله وعظمته. إن الله لا يختار حكماء العالم أو الأقوياء أو الشرفاء، لماذا؟ يقول الكتاب: «لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ» (1كورنثوس 29:1). هذا المبدأ الروحي الهام ينبغي أن نعرفه جيداً، حتى تحل علينا قوة الله.

أولاً – المبدأ وحقيقته:

في كل الأجيال والعصور استخدم الله الأشخاص الذين يشعرون بجهالتهم وضعفهم وعدم أهليتهم لخدمة الله. أما أصحاب المواهب والمؤهلات المتكلين على قوتهم وخبرتهم وجدارتهم، أولئك لم يستخدمهم الرب ولم يخترهم لخدمته لكنه ركنهم جانباً، حتى يتفرغوا من الذات والاتكال على أنفسهم كي يفسحوا مجالاً لقوة الله لتحل فيهم وتستخدمهم لمجد اسمه المبارك. إن قوة الله لا تجد مجالاً إلا في الضعفاء الذين يضعون أنفسهم بين يدي القدير. هذا هو المبدأ الروحي الذي سار عليه القديسون في كل الأجيال. تأمل في أقوال الرسول بولس إلى أهل كورنثوس إذ يقول: «وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ» (1كورنثوس 2: 3 – 5).

ثانياً – المبدأ وتوضيحه:

موسى حين استخدم قوته الجسدية وقتل المصري وأراد أن يخلص إخوته من العبودية بقوته لم يستخدمه الرب في ذلك الوقت ، بل سمح أن يهرب إلى البرية وهناك يمكث أربعين سنة كي يتخلى عن قوته الجسدية ويصبح إناءً نافعاً لخدمة السيد.

لقد اعتذر موسى للرب عن هذه الخدمة، ورغم أن الكتاب يقول: «فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى مُوسَى» (خروج 14:4)، إلا أن الرب اختاره لإتمام هذا العمل العظيم لان موسى كان يشعر بضعفه وعدم أهليته. وهذه هي أنسب حالة لإعلان قوة الله في آنية موسى التي تفرغت من الاعتداد بالذات والاتكال على الجسد.

أيضاً قصة جدعون توضح لنا هذا المبدأ. كان جدعون يشعر بضعفه وصغره إذ قال للرب: «هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي»» (قضاة 15:6)، «فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ» (قضاة 16:6).

آمن جدعون بوعد الرب وجمع الشعب للحرب فكان عدده 32 ألفاً بينما جيش المديانيين 135 ألفاً. وقال الرب لجدعون: «إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي» (قضاة 2:7). وأمره بتصفية جيشه إلى 300 فقط. يا للعجب!! بمعنى أن كل فرد في جيش جدعون يقابله (450) جندياً من المديانيين. وليس ذلك فقط لكن جيش جدعون لم يكن معه أسلحة حديثة ومعدات وذخيرة لكنه كان يحمل أبواقاً وجراراً فارغة ومصابيح. هذه هي كل الأسلحة التي حملها. حقاً إن جيش جدعون كان حسب الظاهر ضعيفاً وحقيراً، لكن قدرة الله العجيبة بددت الأعداء وسحقتهم وانتصر ذلك الجيش الحقير على الجمهور الغفير لأن قوة الله في الضعف تكمل.

ثالثاً – المبدأ وتحقيقه:

كان بوث تاكار ضابطاً في الخدمة المدنية في بلاد الهند وكان شاباً ناجحاً له مكانه كبيرة.. صمم بوث تاكار على تكريس حياته لخدمة الرب وتقديم بشرى الخلاص للنفوس الهالكة حوله في بلاد الهند. فاستقال من منصبه ثم رجع إلى بلاد الهند محملاً برسالة الله. لكنه صدم بحقيقة صعوبة الخدمة في بلاد الهند. ولكي يستطيع أن يقدم رسالة الله لهؤلاء المواطنين ويتقرب إليهم، ارتدى الزي الهندي ووضع فوطة الشحاذين كما كان يفعل الأشخاص الروحيون عندهم. وتجول بينهم كفقير يعيش على ما يقدمونه له من طعام. هذه كانت عادة الأشخاص المتقشفين في بلاد الهند.

كان بوث يسير حافي القدمين مع زميل مرسل. ولأنهما لم يتعودا السير دون حذاء كباقي المواطنين في الهند، تسلخت أقدامهما من شدة الحرارة في الصيف هناك وامتلأت قروحاً. تجمع المواطنون حولهم ورأوا أقدامهم وقد ضربت بالقروح والجروح من المشي دون حذاء. فتح الرب قلوب المواطنين فقبلوهما في القرية وضمدوا جراحهما وقدموا لهما ماءً وغذاءً، وسمعوا منهما رسالة الله المفرحة. وكانت هذه بداية نهضة عظيمة، إذ خلص 25 ألف شخص في بلاد الهند.

هذه القصة توضح لنا كيف تحقق هذا المبدأ. إن الذي عمل في قلوب المواطنين ليست الفصاحة أو الخطابة أو الإقناع العقلي، لكن الجروح الظاهرة في قدمي المرسلين الله يخرج من الضعف قوة. والقوة البشرية تعطل قوة الله. لذلك ينبغي أن نتخلص من كل قوة فينا أولاً ونشعر بضعفنا الحقيقي، عندئذ تمتلكنا قوة الله وتظهر فينا عظمته.