العودة الى الصفحة السابقة
التدريبات الإلهية

التدريبات الإلهية

جون نور


«هَلْ يَحْرُثُ الْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ؟» (في سفر اشعياء 24:28).

التدريبات الإلهية قد تكون مؤلمة لكنها نافعة جداً.

في سفر إشعياء النبي 24:28 يتحدث عن معاملات الله مع شعبه، وتدريباته لهم، فيصور لنا الفلاح الماهر الذي يحرث الأرض جيداً ثم يزرعها وأخيراً يحصد الثمر المتكاثر. هذه صورة مبسطة لعمل الله فينا ومعنا إذ أنه يحرث قلوبنا بروحه القدوس ويزرع كلمته الصالحة، لأنه يطلب منا ثمراً لمجده. وإذ نقرأ (إشعياء 23:28 – 29) نرى هذه الصورة واضحة وجلية.

التدريبات الحكيمة

قد يسمح الكرام السماوي أن يعمل محراث الألم والتجارب في حياة أولاده، لكنه بحكمة فائقة يمسك بزمام المحراث. إن الله بحكمته يهيمن على هذه التدريبات لكي تأتي بثمر كثير وخير وفير. هذه التدريبات تتصف بثلاثة أوصاف:

1 – محددة الوقت:

يقول إشعياء: «َلْ يَحْرُثُ الْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ؟» (إشعياء 24:28) أي هل يحرث كل يوم ويستمر في هذا الحدث دون أن يزرع؟ بكل تأكيد كلا. إنه يحرث حتى يجعل الأرض مستعدة لقبول البذار. إن الفلاح الماهر يعرف الوقت اللازم لحرث الأرض. إنه يميز بين التربة الرملية، والصلبة، والطينية. إنه يفلح كل أرض حسب ما تحتاجه ترتبها. إن الله يساعده في فهم طبيعة الأرض، «فَيُرْشِدُهُ. بِالْحَقِّ يُعَلِّمُهُ إِلهُهُ» (إشعياء 26:28).

هذه صورة مصغرة لما يفعله الكرام السماوي مع أولاده. إنه بحكمته السامية يسمح بالتدريبات اللازمة، بالتجارب النافعة. إنه يعرف كيف يخرج الأحجار الصلبة من قلوبنا، وكيف يمهد السبيل لبذر الكلمة في قلوبنا. يعرف مقدار الألم اللازم لنا، والوقت الكافي لحرث قلوبنا. إنه لا يزيد لحظة واحدة على ما نحتاج إليه، إذ بمجرد تنقية تربة قلوبنا يقف الحرث وينتهي الألم. لكن السؤال المهم هو: كيف نتقبل هذا الألم؟ وما هو موقفنا إزاء التجارب التي تصادفنا؟ هل نقبلها بالشكر من يد الرب، عالمين أنها لخيرنا ولمجد اسمه؟ أم هل نتذمر على مشيئة الله؟ هل نفهم الغرض السماوي من هذه التدريبات؟ وهل نفسح المجال لروح الله القدوس لتنقيتنا؟ وهذه التدريبات ثانياً:

2 – منتقاة بحكمة:

يقول إشعياء النبي: «هَلْ يَحْرُثُ الْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ، وَيَشُقُّ أَرْضَهُ وَيُمَهِّدُهَا؟» (إشعياء 28: 24) لقد أعطى الرب الفلاح حكمة في زرع البذار، فهو يميز بينها ويبذرها بنظام كل في مكانه فالبذار الأكثر أهمية مثل الحنطة يبذرها في صفوف من الداخل، إن الفلاح يعرف جيداً البذار التي تدر عليه محصولاً وفيراً فيعتني بها أكثر. وهكذا الله في حكمته غير المحدودة يعرف أن يضع كل واحد في مكانه وظروفه اللازمة كي يأتي بثمر كثير لمجد اسمه. إن الآب السماوي يعلم جيداً مقدار ونوع التدريب اللازم لأولاده كي يكونوا أكثر نضوجاً وأوفر ثمراً.

3 – مناسبة لكل واحد:

إن الفلاح يعرف طبيعة البذار ويميز بين الحبوب فلا يتعامل معها بطريقة واحدة. إن الشونيز لا يدرس بالنورج ولا يتحمل المدق الذي يدق به القمح. لذلك فإن الفلاح يستعمل القضيب بلطف مع الشونيز كذا العصا مع الكمون، أما القمح فإنه يتحمل المدق لكنه أيضاً يتعامل معه بحكمة حتى لا يسحقه.

هذا ما يفعله الله معنا إنه يستخدم القضيب أو العصا بلطف كي يدربنا ويهذبنا ويخرج الشوائب منا ومرات كثيرة يستعمل المدق حين تفشل كل محاولة للتهذيب والتدريب. لكنه لا يستخدم المدق للسحق بل للتقويم والتنقية. إنه كالفلاح الماهر لا يبغى إلا ثمراً متكاثراً ومحصولاً وفيراً. هذا هو غرض الله من تدريباته المباركة لنا. إنه يختار التدريب المناسب لكل واحد، كل حسب حاجته، وحسب احتماله وحسب إدراكه.

الغرض من التدريبات الإلهية

إن الله يقصد من هذه التدريبات التي يسمح بها لكل مؤمن ثلاثة أمور هي:

أولاً – تهذيب النفس:

إن الله يهمه أولاً حالتنا الروحية أكثر من الأعمال التي نقوم بها. إن الغرض من هذه التدريبات هو قداستنا. إن الله يهمه أن نتقدس في كل سيرة وسريرة لكي نكون مشابهين لصورة ابنه فتظهر فينا الفضائل المسيحية مجسمة أمام الناس.. إن المؤمن ينبغي أن يكون ناضجاً من كل وجه، كاملاً في كل شيء، فلا تكون هناك ناحية خربة أو ناقصة. هذا هو أول غرض من التدريب الإلهي أن نكتمل في كل ناحية من نواحي حياتنا الروحية. نكتمل في المحبة، والطاعة، والتكريس والقداسة، والحكمة، وفي كل الفضائل المسيحية.

ثانياً – لخدمة الآخرين:

إن القمح يدق لينقى من الشوائب، ثم يجمع ويطحن ليصبح دقيقاً، ثم يدخل النار ليصير خبزاً لإشباع الجائعين. هذا ما اختبره شخص ربنا يسوع المسيح الذي هو نفسه خبز الحياة. إنه سحق وتألم من أجلنا، واحتمل نار الدينونة لكي يطعمنا من خبز الحياة.

هذه التدريبات الإلهية لازمة لكل مؤمن يستخدمه الرب لخدمة الآخرين. فالمؤمن المكرس قبل أن يستخدم من قبل الله لإطعام الآخرين عليه أن يحتمل المدق والطحن ونار التقديس والتنقية من كل الشوائب.

ثالثاً – استعداداً للسماء:

كل الأشياء التي في العالم ستزول، الغني والكرامة والممتلكات الأرضية والملذات العالمية كلها إلى الزوال. من أجل هذا فإن الله يدربنا كل يخلع قلوبنا من هذا العالم وينزع محبة العالم من قلوبنا، ويرفع أبصارنا إلى السماء ويؤهلنا لشركة ميراث القديسين في النور. فيسمح لنا بالتدريبات المؤلمة هنا في هذا العالم لأنه لا يوجد تاج في الأبدية دون أن يسبقه صليب هنا. فالذي يريد أن يتمتع بالتاج عليه أن يحمل الصليب هنا. والضيقات الأرضية تنشئ لنا ثقل مجد أبدي.