العودة الى الصفحة السابقة
من خلال الآلام والدموع لماذا انا يا رب

من خلال الآلام والدموع لماذا انا يا رب

جون نور


القراءة: مزمور 19:34

1بطرس 9:5

سؤال قديم طالما سأله أولاد الله، وهم تحت الآلام، ومن وراء الدموع: لماذا أنا؟ لماذا غيري ينجح وأنا أفشل؟ لماذا أعاني مرضاً عضالاً لا شفاء منه؟ لماذا الكل مستقرّ وأنا مشرّد؟ لماذا أعيش فقيراً ومُعدماً وغيري في بحبوحة وثراء؟.... أنا أقول لكم لماذا؟ لكي نتعلم دروساً في حياة الإيمان تكون سبباً في نمونا.

لا نظن أن الله خصنا بالآلام وحدنا، يقول الكتاب: "هذه الآلام تجري على إخوتكم الذين في العالم (1بطرس 9:5).لكن كل مؤمن خصه الرب بأنواع معيّنة من الآلام والصعوبات والمحن والتجارب والضيقات. "كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب" (مزمور 19:34).

يعلّم الكتاب عن عمل الآلام في حياتنا، والبركات والفوائد التي يمكن أن نجنيها من مدرسة الآلام هذه: "فإن من تألم في الجسد كُفّ عن الخطية" (1بطرس 1:4). الخطية مشكلة، ونحاول بشتى الوسائل أن نتخلص منها، وألا نسمح لها بأن تغزو حياتنا. آلام الجسد هي إحدى العلاجات التي تساعدنا على اتخاذ موقف عنيد ضد الخطية، وهو موقف التوبة الدائمة. وما لم تصبح التوبة دائمة في حياتنا فنحن في حاجة إلى الآلام، أي العلاج.

يكتب الرسول بولس إلى كنيسة تسالونيكي قائلاً: "ينبغي لنا أن نشكر الله كل حين... لماذا لأن إيمانكم ينمو" (2تسالونيكي 3:1). فالإيمان لا ينمو إلا بالممارسة، وتحت الآلام والتجارب. والإيمان الحقيقي ليس عقيدة لكنه سلوك ينمو ويُرى. ينمو في شخصياتنا وينمو في علاقاتنا. فالحياة الجامدة لا تسمح للإيمان بأن ينمو، لذا يحتاج إلى الآلام والدموع لكي تتحرك عواطفنا.

كثيراً ما نصل إلى أوقات نصبح فيها عاجزين عن استيعاب معاملات جديدة. كأني بمريم تريد أن تقول للمسيح: كل ما نطلبه الآن هو أن تشفى أخانا وتبقيه لنا، والمسيح يبغي معاملة أعمق – سأميته وأقيمه! فإن لم تتوسّع مداركنا الروحية، لا مجال لمعاملات جديدة، وبالتالي لا مجال للنموّ. أدركنا أشياء كثيرة، لكن هنالك أشياء لم ندركها بعد. أدركنا معاملات الله معنا لحد الآن، لكن ماذا عن المستقبل؟ هل نبقى نفطن كالأطفال أم صرنا من مرحلة الرجولة؟ هل نبقى نحدّ الرب ضمن حدود تفكيرنا؟ نحن نؤمن بأن المسيح يقدر أن يمنع الموت ويقدر أن يشفي، لكن هل ننمو في معرفة ربنا ومخلصنا الذي يقدر أن يُقيم من الأموات؟

مهما كانت الظروف فإلهنا قدير يغيّر الأوضاع. وإن لم يغيّر الأوضاع يغّيرنا نحن حتى نقبل أوضاعنا وتكون بركة لنا. "انتظر الرب واصبر له" (مزمور 7:37)، فهو قادر أن يبدّل الأوضاع ويغيّر الناس. هل نألف أوضاعنا ونظن أن هذا كل ما يستطيع الرب أن يعمله؟ ألا نؤمن بأن الرب يغّير الناس؟ ألم يعطنا طبيعة جديدة؟ ألم يغّيرنا؟ ألم نصر شركاء الطبيعة الإلهية؟ ألم نحصل على الحياة الأبدية بالإيمان؟ ألا نسير كل يوم في موكب النصرة؟ ألم يسحق إلهنا الشيطان تحت أرجلنا؟ ألم يغلب العالم وأعطانا غلبته؟ ألا يعمل فينا لكي يشكلنا على شبهه وعلى صورته؟ نتغّير من صورة إلى صورة حتى نصل إلى تلك الصورة عينها (2كورنثوس 18:3).

أتى صاحب المعجزات، أتى من يغيّر ولا يتغيّر. ما هو وضعك عزيزي المستمع... ميؤوس منه؟! يسوع يغيّر! مأتم... يصير عرساً! اليعازرر أنتن وله أربعة أيام في القبر ؟ هو أقامه وطلب أن يحلوه ويدعوه يذهب.

إذا لم يوجد فينا نموّ أو تغيير، فهذا يعني أن هنالك عطلاً أو مانعاً ما، وعلى رأس هذه الموانع، قلة الإيمان، إذ إننا لا نؤمن بأن يسوع قادر أن يعمل في حياتنا ومن خلالنا. "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 12:14). المسيح هو المنتصر الأول والدائم، وهو لا يُغلب ولا يفشل.

نحن في حرب دائمة مع نفوسنا ومع قلة إيماننا، مع شكوكنا واضطراباتنا، مع أعصابنا المتعبة، ومع ما يسيطر علينا من أمور مزعجة لا نريدها أن تكون فينا. لكن يا ترى، ما هي النتيجة؟ فالانكسار أمر معيب وغير مقبول بالنسبة إلى المسيح. ما الفائدة من جيش كبير، وهو خائف؟ محسوب على الرب لكن لا يشعر بوجود الرب معه، وإن شعر، لا يعرف الرب معرفة حقيقية اختباريه.

الرب ينمينا من خلال ما نحن عليه من آلام ومن تجارب. لذا يعلّم الرسول بولس قائلاً: "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله" (فيلبي 29:1). ثم يضيف الرسول بطرس بالقول: "لأنكم لهذا دُعيتم فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته" (2بطرس 21:2).

لذا يعلم الكتاب: "فإن الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بطرس 19:4). ويكتب الرب لملاك كنيسة سميرنا فيقول: "لا تخف البتّة مما أنت عتيد أن تتألم به... كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 10:2). هكذا نعيش مع الرب صديقنا الصدوق والوالد الحنون مطمئنين واثقين بمحبته وبقدرته.

هل نفرح في الآلام؟ هل نفرح في التجارب، وسط الدموع؟

"احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يعقوب 2:1).