العودة الى الصفحة السابقة
إنجيل المسيح

إنجيل المسيح

جون نور


رسالة رومية 16:1 «لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ».

لعل أغرب ما في هذه الكلمات أن يكون قائلها رجلاً أوقف نفسه على محاربة الإنجيل بل ورب الإنجيل. رجلاً إرتئى في نفسه أن يمحو إسم المسيح من تحت قبة الشمس. من كان يتوقع من مضطهد المسيحية الأول والذي قاد العشرات لا بل المئات والألوف منهم إلى الموت أن يقف يوماً ليقول: «لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ».

ما هو هذا الإنجيل إنه إنجيل الصليب... إنجيل العار... إنجيل الآلام واحتمال الإهانة والتجارب والقيود والضيقات إسمعوا إلى هذا الرسول وهو يتحدث في تعريف مبدع لهذا الإنجيل في 1كورنثوس 15: 1 «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ». ما هو هذا الإنجيل. وماذا يقول. يقول هذا الإنجيل: «إِنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (1كورنثوس 15: 3 و4). إنه إنجيل الصليب. إنجيل الموت والقيامة والفداء. وفي موضع آخر نفس الرسول يقول: «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ. لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» (غلاطية 6: 14 و1كورنثوس 2: 2).

بعد أن اختبر بولس معنى الصليب وهام حباً بذلك المصلوب يتجرأ ويقول: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20). ويقول لهؤلاء الذين لم يعرفوا المسيح كما عرفه هو ولم يختبروه كما أختبره هو «إِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ» (1كورنثوس 1: 18).

قبل الصليب جند الشيطان كل إمكانية لكي ما يحارب الصليب جند كل إمكانية لكي لا يصلب المسيح. وكان هذا في الأساس هو قصد الشيطان. كان يريدها مسيحية بغير صليب، مسيحية بدون سفك دم، «وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عبرانيين 9: 22).

لست استحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن. لست أستحي بذلك الإنجيل الذي يقول: «مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ» (متّى 5: 39). إنجيل «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ» (متّى 5: 44).

إقرأ أي كتاب في الدنيا فقد تعرف منه الكثير عن الله عن صفات الله وعن قوة الله وعدالته وجبروته لكن في هذا الكتاب وحده تقرأ عن محبة الله... الله محبة فقط في هذا الإنجيل وليس غيره.

عندما يقرأ الإنسان البشري هذا الإنجيل يقف أمام نفسه ويرى ذاته في مرآة بلا رتوش.

الديانات والفلسفات تنظر إلى الناس كقوميات ومجموعات إلا إنجيل المسيح فهو يعرف الإنسان الواحد بشخصه وبنفسه «حَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ» (متّى 10: 30)، إنه إنجيل الخروف الضال الذي يترك فيه الراعي التسعة والتسعون ويذهب يبحث عن الخروف المفقود حتى يجده. في هذا الإنجيل كل فرد له وزن وقيمة لدى الله.

أعظم ما في هذا الإنجيل أن قوة الله في هذا الإنجيل. ما كان أتعسنا لو كانت قوة الله هذه للدمار أو للعقاب أو للقصاص أو للدينونة. لكن قوة الله في هذا الإنجيل هي للخلاص. قادة العالم أمسكوا بسيوف القتل وقنابل الدمار لقتل البشر.

كم من بلاد وثنية وهمجية رفعها هذا الإنجيل ورقاها وكم من المؤسف أن الدول العظيمة التي قامت على أساس الإنجيل تتنكر اليوم للإنجيل.

في هذا الإنجيل أعظم المواعيد لكل من يؤمن به «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متّى 28: 20).

هذه هي عظمة المسيحية إنها لم تقدم لنا عقيدة أو ديناً أو كتاب لكنها قدمت لنا شخصاً إلهياً مباركاً يحيا فينا ويقودنا.

فهو يقول: «عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ» (فيلبي 1: 27) ليكون هو منهاج الحياة ومترجماً في حياتنا كما قال أحد الأفاضل أنا أقرأ وأعيش الإنجيل حسب ترجمة أمي فهو كان يرى هذا الإنجيل مترجماً في حياتها وتصرفاتها ومسلكها.

إنجيل خلاصنا صادق في محوره: فليس محوره قديساً أو ملاكاً أو نبي، ولكن محوره شخص الرب مسيح الله الوحيد.

وأيضاً إنجيل خلاصنا صادق وعظيم في هدفه.

فقد جاء ليخلص، لا ليقيم المعجزات كشفاء أعمى أو اقامة ميت، فقد كانت المعجزات وسيلة للإقناع بإرساليته، ولكن رسالة مسيحنا السامية هي الخلاص من ضربة الخطية التي هي عار الشعوب، ليحررنا منها ويحقق ما عجز الناموس عن عمله. قد يشككنا العالم بان رسالة الخلاص قد انتهت، فأقول له تعال اريك سيدي معلقاً على الصليب.. إنها وثيقة لا تُمحى، فعلى حساب الدم أنا أتمتع بالحياة، فاللص القاتل الفاجر الزاني أصبح طاهراً نقياً قديساً.

فلنقبله: لأنه الكلمة الصادقة، «فكُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ» (يوحنا 1: 12) لا أن نسمعه فقط ولا أن نقرأ فقط عن تعاليمه، بل ليمتلك على قلوبنا «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ» (عبرانيين 3: 15).

فلنختبره ولنعلنه: لان حاجتنا اليوم إلى أن نعلن يسوع بكل ما أوتينا من وسائل الاعلام، فلنخبر عنه بترنيمة أو بصلاة، كما لو كان رجل النجدة في وقت الشدة، فيه وحده حل لجميع مشكلاتنا، فدعوه يمكث في القلب ويتربع على عرش الفؤاد.