العودة الى الصفحة السابقة
لماذا تحصل للبار أمور رديّه؟

لماذا تحصل للبار أمور رديّه؟

جون نور


القراءة: 1بطرس 12:4-19

سؤال يُسأل دائماً سواء أكان في العهد القديم أم في العهد الجديد. لماذا تحصل للبار أمور رديّه؟ هذا السؤال أو ما شابهه كان يشغل بال الكنيسة منذ القديم، لماذا يتألم البار في هذا العالم؟

هذه الأمور الرديّه التي تتنافى مع الراحة والسلام والاستقرار التي وُعد بها المؤمن. هذه الأمور الردّيه التي هي بعيدة كل البعد عن طبيعته الجديدة. وها هي تزحف إلينا وتواجهنا من حين إلى آخر في حياتنا اليومية.

يعترف يعقوب قديماً أمام فرعون عندما سأله عن عمره بالقول: "أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة، قليلة ورديّة" (تكوين 9:47). ويخاطب صاحب المزمور الله بقوله "أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة ورديئة" (مزمور 20:71). أي إن هذه الأمور الرديّة لم تأتِ من الظروف والأحوال، لكنك أنت يا رب أريتنا إياها وأنت الذي سمحت بها، وقد تكون أنت الذي رتبتها.

لماذا تحصل للبار أمور ردية؟ لماذا نمرض مثل باقي الناس؟ لماذا تصل إلينا الأوبئة؟ لماذا نفقد عزيزاً؟ لماذا نخسر مدّخراتنا التي كسبناها بعرق الجبين، فامتدّت إليها يد سارقة أو امتدت إليها النار؟ لماذا كل هذه الأمور الرديّة وغيرها الكثير؟

هذا السؤال يفترض أننا نعرف الأمور الرديّة والأمور الجيدة بالمطلق، ولذلك نستطيع أن نميز بسهولة بين الرديّة والجيدة. لكن مقاييس الله بالنسبة إلى هذه الأمور تختلف عن مقاييسنا. وما نسمّيه رديّاً ربما لا يكون بهذه الرداءة وقد يكون جيداً. تقويم الله للأمور يختلف عن تقويمنا، لذلك ينبغي أن "لا تقولوا فتنة لكل ما يقول له هذا الشعب فتنة ولا تخافوا خوفه ولا ترهبوا" "فاعلموا أن الرب قد مّيز تقيّه" (مزمور 3:4). لكننا نحن لا نستطيع أن نميّز الأمور الرديّة من الأمور الجيدة في المطلق.

نحن نرى الخير في سلامتنا وسلامة عائلاتنا، نرى الخير في استقرارنا وعافيتنا، بينما يرى الله الخير في تكوين شخصياتنا الروحية وفي حفظنا في المشيئة الإلهية وسط التجارب والضيقات، ووسط الأمور التي نسميّها رديّة. يرى الخير في عملنا للأبدية ولذلك يزوّدنا بما يلزم للقيام بهذا العمل. يحاصرنا من خلال ما نظن أنه أمور رديّة لكي نستطيع أن نعمل لملكوت الله ولبرّه. يوصد الأبواب أمامنا ويُقلقنا ويُزعجننا فنحتار، ولا نعرف كيف نتصرف، وأحياناً نصل إلى حافة الفشل. يوصد أبواباً لكي يفتح باباً هاماً يختص بملكوت الله وبالأبدية.

لقد جاء المسيح وافتدانا لكي يعطينا حياة أبدية، وهذه الحياة الأبدية هو يرعاها وينميها ويصونها. "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي" (يوحنا 27:10و28). أي لا تمتد إليها أي يد غاشمة أو غادرة، ولا يُؤخذ المسيح على حين غرّة. وهذا التأمين لا يسري على حياتنا الجسدية بل على حياتنا الروحية الأبدية.

سمح الرب للشيطان بأن يمد يده إلى كل ما لأيّوب حتى إلى جسده. مع أن أيوب كان باراً ومستقيماً، يقدم الذبائح ويتقي الله، ويتكلم كلاماً صحيحاً ومستقيماً عن الله. ويسمح الرب بأن تمتد اليد إليه وبأن تحلَّ فيه المصائب متتالية، ولكن الإنذار من الرب إلى الشيطان كان مشدّداً: "إنما إليه لا تمدّ يدك" (أيوب 12:1).

يقول الكتاب المقدس إن الخليقة كلها قد أُخضعت للبطل، نتيجة للسقوط. والخطية تسيطر الآن على العالم، والشيطان يعيث في الأرض فساداً، والبار يعيش في هذه الجهنم الأرضية فتصيبه بعض الحروق.

لا نقدر أن نهرب من الحروب وتعدّيات الإرهاب ونتائج الفوضى والبغض المستشري في العالم ومسبّبات القتل والسرقات والاغتيال وكل ما له صلة بأعمال الجسد ونتائج الخطية. لم نصل بعد إلى السماء. مملكة المسيح هي ضمن مملكة الشيطان الآن.

ثمة عناية خاصة بأولاد الرب، لكنْ ثمة أيضاً أمور كثيرة تجتاح هذا العالم ونحن موجودون تحت تأثير هذه الموجات التي تجتاح هذا العالم الساقط، وأحياناً يصيبنا ما يصيب الآخرين.

ينبغي للبار أن يعيش وسط جيل معوّج وملتو، ويقاوم مجاهداً ضد الخطية، وهو وحده عرضة لسهام الشرير الملتهبة. في هذه الأجواء الموبوءة والعدائية، يُظلِم البار. يُفترى عليه ويُشتم. يُضرب على خدّه الأيمن. يُؤخذ رداؤه ويتسخّر. وبينما النجس يتنجّس بعد، يحارب البار النجاسة ويتبرّر بعد، ويعذّب نفسه البارة بالأفعال الأثيمة. "إلى هذه الساعة (تحصل لنا أمور رديّة) نَجوع ونَعطش ونَعرى ونُلكم وليس لنا إقامة" (1كورنثوس 11:4).

تحت ضغظ الظروف تختلط علنيا الأمور، إذ نفقد صفاء الذهن. تختلط علينا الأمور فتخرج عن أحجامها الطبيعة. ليست مشكلة ولا بلية ولا مصيبة أن تعرّض أحدنا أو احد أفراد عائلاتنا لحروق ، بل المصيبة إن تعرّض أبناءنا لحروق جهنم. خسارة الأموال والممتلكات ليست خسارة أن نخسر الأبدية أو يخسرها أحباءنا فهذه خسارة لا تعوّض. لذا نحتاج إلى إعلان عن أمور أكبر من نفوسنا وأكبر من دائرتنا وأكبر من دائرة تفكيرنا؛ أكبر من محيطنا الذاتي كي تستعيد حياتنا حجمها وبريقها فتستقيم.

الرب موجود معنا وهو يعمل لخيرنا وأفكاره من جهتنا أفكار سلام لا شرّ (إرميا 11:29)، لذلك نحن نتعزى ونفرح في الرب كلّ حين.