العودة الى الصفحة السابقة
اخرج القذى من عينك

اخرج القذى من عينك

جون نور


القراءة: متى 1:7-5

تكلم المسيح، في عظته على الجبل، بأولويات مهمة في ترتيبها. فلا نستطيع أن نضع الأول ثانياً أو بالعكس. وفي معرض كلامه، يرسم لنا ترتيباً إلهياً، بل قانوناً ينظم لنا علاقاتنا بعضنا ببعض: "أخرج أولاً الخشبة من عينك" (متى 5:7). أي عندما تنظر إلى أخيك وتتفحصه، وتتذكر أن لأخيك شيئاً عليك، تذكر أنك أنت أيضاً مسيءٌ لغيرك. أنظر إلى نفسك أولاً ثم إلى أخيك. نحن لا نتمتع بجرءة كافية لننتقد نفوسنا، لكن عندنا كل الجرأة أن ننتقد الآخرين. ننظر في المرآة ونمضي، وننسى ما نحن عليه. ندين الآخرين ولا ندين نفوسنا. والمسيح صريح في هذا المجال إذ يحذّرنا من هذا الخطأ الجسيم بالقول: "لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (متى 1:7-3).

متى أردنا أن نخرج القذى من عين الآخرين علينا أولاً أن نرى الخشبة التي في عيوننا، عندها يسهل علينا أن نترك قرباننا قدام المذبح ونذهب لنرتّب أمورنا مع الآخرين.

يطرح المسيح هنا سؤالين

1 - "لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك" (متى 3:7)؟ أي لماذا التدخل في شؤون الآخرين؟ إذ عندما نتدخل في أمور غيرنا نسيء إلى نفوسنا. فإننا بذلك نفتح المجال أمام الآخرين للتدخل في شؤوننا. وإذا أردنا أن نتدخل في أمور غيرنا فليكن الدافع مساعدة الآخرين. لماذا نصلّي من أجل الضعيف ونرفع المجرّب، ونساعد الفاتر. هل نحاول بهذا أن نُظهر خطايا الآخرين لكي نُبرز برّنا. ننظر القذى في عين الآخرين، ونتناسى بأنّ في عيوننا خشبة. عند الآخرين ضعفات وسقطات وهفوات، وعندنا أيضاً. ولكننا أحياناً نتصرف بذكاء وبحذاقة، نخفي بهما الخشبة التي في عيوننا، وهذا النوع من التصرف ينعته المسيح بالرياء، أي السلوك غير الصريح. نحاول أن نُظهر نفوسنا بعكس ما نحن. والأسوأ من ذلك أننا نحاول تبرير نفوسنا على حساب سمعة الآخرين، وذلك بتحويل الأنظار إلى أخطاء الآخرين.

والعلاج الذي يقدمه المسيح هو أن نفطن للخشبة التي في عيوننا. أن نصلّي أولاً لأجل نفوسنا، لأجل ضعفاتنا وهفواتنا وانحرافاتنا. فالرسول بولس يحثّ تيموثاوس على مراقبة نفسه بالقول: "لاحظ نفسك...." (1 تيموثاوس 16:4)، "إحفظ نفسك طاهراً...." (1 تيموثاوس 22:5).

2 - "أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك" (متى 4:7)؟ أي كيف تقدر أن ترى القذى وفي عينك خشبة؟ ظاهر العمل سليم لكن الدوافع غير سليمة. أنت تقول: يا أخي.... يا أخي. دعني أخرج القذى ولكن المسيح يقول لك: "يا مرائي" (متى 5:7). معاملة الإخوة تفرض عليك نوعاً من التصرف أسمى من ذلك. أنت تتظاهر بأنك تعمل لخيره ولكنك تخفي في قلبك مرارة وبغضاً.

لا نقدر أن نقدم للآخرين مساعدة مجدية ونافعة ما لم نكن على المستوى المطلوب، ما لم نُخرج أولاً الخشبة من عيوننا، ما لم نتدرب أولاً على أخذ مسؤولية تهذيب نفوسنا أمام الرب. وعندئذٍ نستطيع أن نساعد الآخرين عن اختبار، فنشجع الآخرين بالقول: أنا عانيت قبلك من وجود خشبة في عيني، وكانت تؤلمني، والرب ساعدني على التخلّص منها. وأنت بإمكانك التخلّص من هذا القذى الصغير بمساعدة الرب.

وبهذا الأسلوب اللطيف نستطيع مساعدة الآخرين وإقناعهم بوجود قذى، يجب التخلص منه. فلا ننتقد لمجرد النقد، لأن هذا لا ينفع. النقد هيّن، وسهل أن ننجرّ إليه، لكن الرب يكره هذه الخطية، وهو عاقبها حتى في رجالاته وأنبيائه كمريم وهرون، عندما تكلّما على موسى.

سعى يسوع في تربية تلاميذه وتدريبهم ليصلوا إلى هذا المستوى. فعندما جالس يسوع تلاميذه في العشاء الأخير وصارحهم بقوله لهم إن واحداً منكم سيسلمني، كان رد كل واحد بعد الآخر: "هل أنا هو يا رب... هل أنا هو يا رب..." (متى 22:26). بدل أن يوجهوا الإتهامات بعضهم لبعض، أحبوا بعضهم بعضاً ولم يحاول أحدهم الإساءة إلى الآخرين.

والرب يساعدنا حتى إذا وُجد مجال للّوم أن نضعه أولاً على نفوسنا، كما فعل يونان عندما سأله الملاحون: "بسبب من هذه المصيبة علينا" فأجاب بصراحة كلية: "خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم لأنني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم" (يونان 8:1 و 12).