العودة الى الصفحة السابقة
المحبة الغالبة

المحبة الغالبة

جون نور


نشيد الإنشاد 6:8

المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً} (نش 6:8، 7). ومن هذه العبارات نرى عظمة هذه المحبة في أوصافها فهي:

أولاً: المحبة قوية كالموت

بالتأمل في محبة الرب لنا من خلال المكتوب نراها أقوى من الموت. فالموت ما استطاع أن يوقفها أو يطفئها، والموت لم يجعل الرب يسوع يتراجع عن إعلانها وإظهارها لنا، بل لم تكن هناك وسيلة لإظهارها لنا سوى الموت، لأنه {ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا} (رو 8:5)، {أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها} (أف 25:5).

الموت حكم صادر من الله بعد السقوط في الخطيئة على كل البشر، فهو حكم شمولي شمل الجميع {لأنك تراب وإلى التراب تعود} (تك 19:3) وأيضاً {أي إنسان يحيا ولا يرى الموت} (مز 48:89). هكذا المحبة أيضاً فهي قد شملت جميع البشر ولم يستثن منها أحد {لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد} (يو 16:3).

لا يستطيع أحد أن يتحدى الموت أو يقف أمام سطوته، فهو يصل إلى من يريد دون استئذان، هكذا محبة الله لا تقف أمامها قوة ولا يعوقها شيء، حتى شر الإنسان، من الوصول إلى أي شخص.

الموت لا يفرق بين غني وفقير، رجل وامرأة، الملك والحقير، المتعلم والجاهل فهو يصل إلى الجميع، لذلك كما قيل عن لعازر المسكين إنه مات هكذا أيضاً قيل عن الغني إنه مات ودفن (لو 22:16). هكذا محبة الله لا تفرق بين إنسان وإنسان، مهما كان مركزه أو لونه أو جنسه أو وضعه، فهي للجميع معلنة وتبحث عن الجميع. والموت لا يفرق بين طفل صغير أو شاب في ريعان شبابه أو شيخ عجوز فكل من يأتي وقت رحيله لا بد أن يمضي. هكذا محبة الله هي لجميع الأعمار لا يستثني منها أحد.

الموت لا تحده حدود الزمان أو المكان، فهو في سلطانه أن يصل لأي إنسان، في أي زمان وفي أي مكان. هكذا محبة الله لا تحد بمكان معين ولا بزمان معين، فالله أحب البشر أينما وجدوا في المكان والزمان.

الموت ينهي متاعب الزمان والأمراض وقتياً. أما المحبة الإلهية تريح الإنسان من متاعب الخطية وأهوال الأبدية.

الموت ينقل الإنسان من عالم الشقاء إلى عالم البقاء، من العالم المنظور إلى العالم غير المنظور. والمحبة الإلهية تنقل الإنسان من وضع إلى وضع آخر، تنقله من الموت إلى الحياة (يو 24:5)،

ثانيا: المحبة أعلى بكثير من الجبال الشامخة فلا تغمرها السيول

{والسيول لا تغمرها}. بالعودة إلى سفر التكوين، وفي حادثة الطوفان، نرى أن الفلك هو الوحيد الذي تحدى كل السيول والمياه وارتفع فوقها. فقد انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وانفتحت طاقات السماء، وتعاظمت المياه وتكاثرت جداً على الأرض، فغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء، وارتفعت فوقها بخمسة عشر ذراعاً؛ لكن الفلك كان يطفو فوق المياه. لقد ضربته المياه من أسفل، وسقطت عليه من أعلى؛ لكنه ارتفع فوق جميعها.

نعم هذه المياه لم تستطع أن تطفئ محبته، وهذه السيول لم تغمرها، بل ظلت شامخة ومرتفعة تتحدى شر الإنسان مع مرور الزمان وتظل تنادي المتعبين لراحتهم، والعطشى لريهم، والهالكين لخلاصهم.

سيظل الرب يسوع يطارد بالمحبة الجبابرة والعتاة، ويرجعهم بمحبته إليه. كم من الناس أظهروا له العداء لكن طاردهم وأرجعهم لا بالقوة مع انه الأقوى، ولا بالجبروت مع أنه الجبار؛ لكن بالحب. ولقد كان شاول الطرسوسي واحداً من أولئك، حتى أن الرب يسوع قال له {لماذا تضطهدني؟} (أع 4:9، 5). ولذلك قال شاول عنه {ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي} (غل 20:2). نعم أنه المحب للعشارين والخطاة (لو 34:7).

ثالثاً: المحبة أسمى من كل العطايا

{لو أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً}.

لا بديل للمحبة، فكل عطية تعطى حتى ولو كل الثروة، فإنها مع مرور الزمان تنتهي وتنسى، لكن المحبة وحدها هي التي تبقى، فهي أعظم من كل شيء لأنها طبيعة الله {الله محبة} (1 يو 16:4) فهي دائمة بدوام الله.. فكل عطاء يهبنا إياه الرب يظهر رعايته وعنايته واهتمامه. أما محبته فكان لا بد أن يظهرها ويعلنها بأسمى الطرق ألا وهو إرسال ابنه الوحيد وبذله عوضاً عنا على الصليب {لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد} (يو 16:3) {لكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا} (رو 8:5) فالله أظهر لنا محبته الرائعة بهذه الكيفية، وهو إن كان {لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء؟} (رو 32:8).

في مرات كثيرة يتساءل البعض منا: أين محبة الله؟ وكل سائل ينظر إلى ظروفه، سواء المرض أو الفقر أو المشاكل أو ... الخ. لكن لكي ندرك ونعي محبة الله، لنترك ظروفنا إلى جانب – ولو إلى لحظات – ولنذهب إلى الجلجثة، لنرى شخصاً وديعاً وعظيماً في ذات الوقت، معلقاً على الصليب بنظراته الحلوة البريئة ينظر إلينا ويقول في حب شديد لكل واحد منا: لأجلك أنا هنا على الصليب.