العودة الى الصفحة السابقة
فخ الانتقام

فخ الانتقام

جون نور


«لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ» (رومية 17:12).

إذا رفضت أن تغفر لشخص أساء إليك.. فإن هذا يكون بمثابة دين تمسكه عليه، فعدم غفرانك للإساءة يعني أنك تعتبر الشخص الذي أساء إليك مديوناً لك وتظل منتظراً أن يوفي لك ما عليه من دين سواء كان هذا الدين مادي أو معنوي.

وفي دول العالم المختلفة توجد المحاكم المتعددة حتى تقوم بدور المنتقم لحساب الطرف الذي تعرض للأذى.

فالعدالة الإنسانية تقول: «إذا تعرض شخصاً للأذى من شخص آخر، فإن الجاني يجب أن يُقدم للمحاكمة لينال عقابه ويدفع ثمن خطئه»، ولكن دعوني أقول لكم أن هذا ليس هو طريق البر، فالكتاب المقدس يقول: «لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ» (رومية 19:12) إنه ليس من البر ونحن أولاد الله أن نسعى لأن ننتقم لأنفسنا، ولكن مع الأسف هذا بالضبط ما نفعله عندما نرفض أن نغفر لمن أساء إلينا فهذا ليس له سوى معنى واحد هو أننا نريد ونسعى بداخلنا لأن ننتقم. فنحن نأخذ بداخلنا قراراً ألا نغفر لهذا الشخص إلا عندما يدفع الدين كاملاً، ونحن فقط الذين نحدد كيفية دفع ذلك الدين وما هو التعويض المناسب الذي يرضينا. ولكن عندما تفعل هذا فإنك في الواقع تكون قد جعلت من نفسك دياناً... أي قاضي يحكم ويدين. ولكن هل تعرف ماذا يقول الكتاب المقدس؟ «وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟ لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لِئَلاَّ تُدَانُوا. هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ» (رسالة يعقوب 12:4؛ 9:5).

إن الرب هو الديان العادل وهو الذي يقضي بالعدل والبر.

قد تقول لي: إنني تعرضت للإساءة ظلماً، فأنا لم أخطئ في حق ذلك الشخص الذي أساء إليَّ حتى يكون له عذر فيما فعله معي. ولكن دعني أسألك: ما الذي فعله يسوع جعله يستحق ما تعرض له لأجلك؟ وما فعلته أنت لكي تستحق منه الغفران؟ فلقد كان ضحية بريئة لم يفعل جرم ولا خطية في حين أخطأ الجميع وكانوا يستحقون الموت والعقاب. فمن منا لم يكسر وصايا الرب وناموسه الذي يفوق بكثير ناموس الناس؟ جميعنا ضللنا وكان من العدل أن يحكم علينا جميعاً بالموت والهلاك الأبدي على يد الديان الأعظم. فإذا قارنت الإساءة التي تعرضت أنت لها بتلك التي تعرض لها يسوع فستدرك أنه لا يوجد وجه للمقارنة، فالدين الذي تمسكه على أخيك أتفه بكثير من أن يقارن بالدين الذي تركه لك الرب وسامحك عليه.

لنرى ما الذي يقوله يسوع لمؤمنين العهد الجديد: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ» (متّى 38:5 – 42).

يسوع لم ينتظر حتى يعتذر له من أساءوا إليه وصلبوه، لم ينتظر حتى يأتوا إليه قائلين: «قد أخطأنا وأنت لم تخطئ، لذا أرجوك سامحنا»، لقد صرخ إلى الآب وهو معلقاً على الصليب قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 34:23). بل أنه سامحنا جميعاً في الصليب من قبل أن نأتي إليه معترفين بإساءتنا في حقه. لهذا يحثنا الرسول بولس قائلاً: «كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا» (كولوسي 13:3)، كما قال أيضاً: «وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ» (أفسس 32:4).

علينا ان ندرك ان نوع البذرة التي نزرعها في الأرض هو الذي يحدد نوع الجذر الذي سينمو فيها، فإذا زرعنا بذور عدم الغفران والديون والإساءة فإن جذراً آخر غير محبة الله سوف ينمو في قلوبنا وهو جذر المرارة.

يقول الكتاب المقدس (في عبرانيين 14:12 – 15). أن الشخص الذي لا يتبع السلام عن طريق التخلص من الجروح والعثرات وعدم الغفران سوف يتنجس في النهاية بجذور المرارة، فعدم الغفران سوف يفسد ويدمر كل ما هو جيد وثمين لديك.

لذلك يحثنا كاتب رسالة العبرانيين أن نكون «مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ (جذر) مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجًا، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ» (عبرانيين 15:12).

لذا يجب علينا أن نمتحن قلوبنا ونقبل كل تصحيح وتقويم من الرب لنا، فكلمة الرب هي فقط القادرة على تمييز أفكار القلب ونياته، لذا فلتقبل تبكيت الروح القدس لضميرك وأنت تسمع كلمة الرب لك ولا تطفئ الروح القدس بتجاهلك لتبكيته، وإذا كنت قد فعلت ذلك يوماً فتب الآن أمام الرب وافتح قلبك لتقويمه لك.

«لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ» (أفسس 31:4 – 32).