العودة الى الصفحة السابقة
المصالحة هي هدف السماء

المصالحة هي هدف السماء

جون نور


«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، (أي فارغ) يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ» (متّى 21:5 – 24).

لقد أوضح يسوع في هذا الجزء من العظة النتائج التي تنتج من الاستسلام لمشاعر الغضب والمرارة، فبدأ بقوله أنه إذا غضب أحد على أخيه باطلاً يكون مستوجباً للحكم والإدانة. ثم إذا ترك ذلك الغضب ينمو بداخله حتى نتج عنه أنه قال لأخيه: «رقا وكلمة «رقا» تعني فارغ أو غبي، (وهو لفظ كان يستعمل كثيراً بين اليهود في ذلك الوقت). يكون بهذا مستوجباً المحاكمة أمام المجمع.

ومن هنا نرى أن يسوع كان يريد أن يوضح أنه إذا غضب أحدهم من أخيه ولم يحرص على التخلص من ذلك الغضب بل تركه ينمو ويتزايد داخله، فستكون النتيجة أن الغضب سوف يتحول مع الوقت إلى كراهية والكراهية إذا لم يقاومها ويتحرر منها سوف تجعله مستوجباً لنار جهنم.

ثم قال يسوع بعد ذلك أنه إذا كان أحدهم يقدم قربانه على المذبح ثم تذكر أن لأخيه شيئاً عليه أي تذكر أن أخيه مجروح منه أو في ضيق بسببه، فعليه أن يترك قربانه ويذهب أولاً ليصطلح مع أخيه أي قبل الصلح مع أخيه يجب أن تكون الأولوية تقديم القرابين للرب.

الصلح هنا يكون في مصلحة هذا الأخ الذي يشعر بالضيق منا، فإننا نسعى للصلح معه حتى نساعده على الخروج والتحرر مما بداخله من مرارة وجروح.

وقد تسألني قائلاً: ولكنني لم أخطئ في حقه!

ولكني أقول لك لا يهم إذا كنت قد أخطأت في حقه أم لا، فلو أنك تحب أخيك المحبة التي من الله لن تستطيع أن تتركه هكذا يسقط في فخ الجروح والعثرات دون أن تمد له يدك وتحاول إنقاذه حتى لو لم تكن قد أخطأت إليه من وجهة نظرك. فمساعدتك لأخيك وإنقاذه من المرارة والغضب أهم بكثير من أن تثبت صحة موقفك وسلامته.

إن هذا ما يطلبه الرب منا، فيسوع يريدنا أن نسعى للصلح مع أخوتنا حتى لو لم نكن قد أسأنا إليهم في شيء، ولكن هذا يتطلب مستوى معين من النضوج وإنكار الذات حتى تستطيع أن تضع نفسك من أجل الآخرين بالرغم من أنك لم تخطئ في حقهم.

فلا تنتظر حتى يبادر هذا الأخ المجروح ويأتي بنفسه إليك، فشعوره بالجرح والمرارة تجاهك عادة ما يجعله من الصعب أن يأخذ هو الخطوة الأولى نحوك، لهذا طلب منا يسوع أن نخطو نحن هذه الخطوة، وأن نذهب إليه.

لهذا قال يسوع هذه الكلمات:

«كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ!» (متّى 25:5 – 26).

الكبرياء يجعلك تدافع عن نفسك وعن حقك، أما الاتضاع وإنكار الذات يجعلك تقول: «أنت على حق... أنا أخطأت.. أرجوك سامحني على ما فعلته».

«وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ» (متّى 15:18).

إن كثيراً من الناس يسيئون تطبيق هذه الآية، فهم عندما يتعرضون للإساءة من شخص ما يذهبون إليه ليعاتبونه ولكن يكون عتابهم عبارة عن سيل من الغضب والغيظ والاتهامات القاسية التي يحققون من خلالها رغبتهم الخفية في الانتقام لأنفسهم، فهم يستخدمون تلك الآية لكي يبرروا إدانتهم لمن أساء إليهم وجرحهم. ولكنهم بهذا يكونون قد فقدوا الهدف الذي من أجله طلب منا الرب أن نذهب لإخوتنا ونعاتبهم، فالهدف هو المصالحة وليس الإدانة. إن هذا يشبه تماماً ما فعله الرب لكي يردنا إليه، فبالرغم من أننا جميعاً قد أخطأنا في حق الرب وأسأنا إليه بخطايانا وآثامنا، إلا أنه «بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 8:5).

فهل أنت مستعد لأن تضع نفسك وتنكر ذاتك وتتنازل عن محاولاتك للدفاع عن نفسك وتموت عن كبرياءك في سبيل أن تسترد الشخص الذي أساء إليك وترمم علاقتك به؟ إن هذا هو ما فعله يسوع معنا، فهو وضع نفسه وأخلى ذاته لكي يصل إلينا ويصالحنا، فهو لم ينتظر حتى نطلب منه أن يسامحنا ويغفر لنا خطايانا بل اختار أن يسامحنا ويصالحنا حتى من قبل أن ندرك أننا قد أخطأنا في حقه.

إنها خطوات متتالية رسمها لنا الرب يسوع بهدف واحد فقط، المصالحة. فكأن يسوع يريد أن يقول: «استمر في المحاولة».

ونحن يجب أن نكون «مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ» (أفسس 1:5)، أي يجب أن نفعل مثله وأن نبادر نحن أيضاً بالذهاب إلى إخوتنا الذين أساءوا إلينا لكي نستردهم ونصالحهم. لهذا السبب طلب منا يسوع في (متّى 15:18) أن نذهب إلى من أساء إلينا ونعاتبه، لا لكي ندينه بل لكي نزيل أي شيء يقف حائلاً بيننا وبينه ونسترد علاقتنا معه. إن لطف الله الذي فيك هو الذي سيقود أخاك الذي أساء إليك إلى التوبة وبالتالي إلى المصالحة.