العودة الى الصفحة السابقة
القداسة كما يجب أن نحياها

القداسة كما يجب أن نحياها

جون نور


«فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ» (رومية 14:6).

هل يوجد حقاً في الكتاب المقدس أية إجابات للحياة الحقيقية؟

مهما كانت مشكلاتك، يوجد في كلمة الله الجواب، يوجد رجاء. يمكن لي ولك أن نسلك في طاعة كلمة الله، ونحيا حياة القداسة.

إن الله ينتظر من كل مؤمن أن يحيا حياة مقدسة، ولكن القداسة ليست أمراً نتوقعه أو نأمل فيه، إنها وعد أكيد لكل مؤمن، أن تصريح بولس كما ذكر – الخطية لن تسودكم.

– صحيح تماماً.

إن مفهوم القداسة قد يبدو أمراً عفا عليه الزمن بالنسبة للجيل الحاضر، وبالنسبة لبعض الأشخاص فإن كلمة «قداسة» مرتبطة بضفائر الشعر او تغطيته او ارتداء الفساتين الطويلة والجوارب السوداء... وللبعض الآخر مرتبطة بالعبارة البغيضة التي يقولها البعض انك ان لم تفعل ذلك فأنت غير مؤمن والتي حتى وأن لم تقل بالكلام، فقد تكون المقصودة بالتصرفات.

القداسة والتقديس فكرة كتابية تماماً. الكلمة «مقدس» بمشتقاتها تظهر أكثر من 600 مرة في الكتاب المقدس، وسفر بأكمله وهو سفر اللاويين مخصص كله لنفس الموضوع، وفكرة القداسة هي النسيج في كل أجزاء الكتاب، وأهم من ذلك فالرب يطلب منا بكل تحديد أن نكون قديسين (لاويين 44:11).

أما عن كيفية أن نكون قديسين فقد لاقت الكثير من المفاهيم الخاطئة. هناك مفهوم بأن القداسة مرتبطة بسلسلة من الممنوعات المحددة، وهذه الأمور قد تكون أشياء مثل التدخين وشرب الخمر والرقص إلى غير ذلك، إذ تختلف قائمة الممنوعات باختلاف الجماعة واختلاف البيئة. وحينما نتبع مثل هذا الفهم للقداسة نصبح في خطر أن نكون مثل الفريسيين والمتزمتين بقوائمهم الطويلة بما يجب أن نفعله وما يجب أن نبتعد عنه، ومواقفهم المشوبة بالبر الذاتي. وبالنسبة لآخرين فإن القداسة تعني شكلاً معيناً من الملابس أو أسلوباً معيناً من السلوك. وبالنسبة للبعض الآخر «القداسة المطلقة» وهذا الأمر قد ينشأ عنه «خداع» أو وهم للنفس، أو خيبة أمل وفشل بالنسبة للمؤمن وموقفه من الخطية.

كل هذه المفاهيم التي تبدو للبعض صحيحة بعيدة كل البعد عن المفهوم الصحيح للقداسة. أن تكون مقدساً يعني أن تكون بلا لوم، وأن تكون منفصلاً عن الخطية، وبالتالي مكرساً للرب. إن كلمة مقدس تعني «انفصال إلى الله» وأن يكون السلوك يناسب الذين قد انفصلوا.

ربما أحسن وسيلة لفهم مفهوم القداسة هي أن نعرف كيف استخدمها كتبة العهد الجديد. استخدم بولس التعبير كأمر مضاد للفجور والنجاسة. واستخدمه بطرس كأمر مضاد للرغبات الشريرة التي عشناها ونحن بعيدون عن المسيح (1بطرس 14:1 – 16) أما يوحنا فقد أوضح التباين بين من هو مقدس ومن هو خاطئ ونجس (رؤيا 11:22) أن نحيا حياة القداسة معناه أن نحيا حياة مطابقة للمبادئ التي تعلنها كلمة الله، إنها الحياة التي تتميز بخلع الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، ونلبس «الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ» (أفسس 4: 22 و24).

إن كانت القداسة هكذا أمراً حيوياً بالنسبة لحياة المؤمن، فلماذا لا نختبرها أكثر في حياتنا اليومية؟ ولماذا يشعر كثيرون من المؤمنين بأنهم مهزومون في صراعهم مع الخطية؟ ولماذا تبدو كنيسة المسيح مشابهة للعالم الذي حولنا أكثر من مشابهتها للرب؟

أعزائي المستمعين لا يمكن أن نرى الخطية في حقيقتها إلا إذا رأيناها كشيء ضد الله بمعنى ان كل خطية هي ضد الله، بمعنى أن ناموسه قد كسر وسلطانه قد أهين. لقد قال كل من فرعون وبلعام وشاول ويهوذا: «قد أخطأت» ولكن الابن الضال العائد قال: «أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ» (لوقا 15: 18). وقال داود: «إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ» (مزمور 51: 4).

لقد وضعنا في أفكارنا تصنيفاً للخطايا إلى ما يجب رفضه رفضاً باتاً وإلى ما يمكن التسامح معه قليلاً. الكتاب يقول إن هذه هي: «الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ» (نشيد الأنشاد 15:2). إنه الحل الوسط لمسائل صغيرة والذي قد يؤدي إلى سقطات أكبر. ومن الذي يستطيع أن يقول أن التجاوز البسيط عن القانون المدني ليس خطية كبيرة في نظر الله؟

هل نحن على استعداد أن نسمي الخطية «خطية» ليس لأنها كبيرة أو صغيرة، ولكن لأن ناموس الله يمنعها؟ لا نستطيع أن نصنف الخطية إن كنا نريد أن نحيا حياة القداسة، ولا يمكن أن يتركنا الرب في حال سبيلنا بمثل هذا النوع من المواقف.

حاول أن تضع هذه الأمور في قلبك الآن. هل تبدأ في أن تنظر إلى الخطية كشيء يسيء إلى الإله القدوس بدلاً من أن تكون مجرد هزيمة شخصية؟ هل تبدأ في تحمل مسؤوليتك الشخصية من نحو خطيتك عالماً أنك وأنت تفعل ذلك ينبغي أن تعتمد على نعمة الله؟ وأنك عازم بنعمة الله على أن تطيع الله في كل مجالات الحياة مهما كانت أهمية الموضوع أو القضية؟

وإذ نتقدم علينا أن نضع في اعتبارنا «قداسة الله» أولاً. ومن هنا تبدأ القداسة ليس مع أنفسنا بل مع الله. وهذا يمكن أن يكون عندما نرى قداسته وكماله المطلق وكراهيته للخطية، حتى تستحوذنا الفكرة من جهة شناعة الخطية ضد الله القدوس. وإذ تمتلكنا هذه الحقيقة نكون قد خطونا أولى خطواتنا نحو اتباعنا القداسة أو سعينا نحو القداسة.