العودة الى الصفحة السابقة
القداسة في عالم شرير

القداسة في عالم شرير

جون نور


«لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ» (يوحنا 15:17).

كل المؤمنين يعيشون في محيط عالم شرير، والبعض يواجهون تجارب غير عادية وهم يعيشون وسط بيئة شريرة، الطالب في جامعته مثلاً، والجندي في معسكره، والعامل في مصنعه، والموظف في مكتبه، وإذا لم يكن المؤمن مستعداً لمثل هذه الهجمات الشريرة على فكره وعلى قلبه فسيجد صعوبة كثيرة للاحتفاظ بالقداسة الشخصية.

يذكر الرسول يعقوب أن حفظ الإنسان نفسه بلا دنس في العالم هو جزء من الديانة الصحيحة (يعقوب 27:1). ويحثنا الرسول بولس على أن نخرج من وسطهم ونعتزل (2كورنثوس 17:6) فكيف يتصرف المؤمن وهو يجد نفسه محاطاً من كل جانب بضغوط قاسية من عالم شرير.

واضح من صلاة المسيح الشفاعية بأنه لم يقصد أن ننسحب من العالم لأننا يجب أن نكون ملحاً للأرض ونوراً للعالم لقد بين كل كتاب العهد الجديد أن المؤمنين سيحيون في وسط عالم شرير ولم يقل أي واحد منهم بأن الأمر سيكون سهلاً أن نعيش في عالم الخطية.

اعزائي المستمعين يحثنا الكتاب المقدس بأن لا أن ننسحب من الاتصال بالعالم يجب أن نجاهد لنقاوم تأثيره، ولكي نفعل ذلك يجب أول كل شيء أن نقرر أن نحيا بحسب الإقرارات التي أعطانا إياها الرب في كلمته.

ولكن حتى مع علمنا بأننا نعيش في العالم بحسب ما تعلنه لنا كلمة الرب، واعترافنا صراحة بإيماننا نظل معرضين لدنس الوسط الشرير.

وأعظم حصن لنا من كل هذا الفساد هو الكتاب، قال داود: «ببِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور 9:119) فالكلمة تطهر أفكارنا من دنس العالم إن كنا نلهج فيها، وهي التي لا تجعل نظراتنا وأفكارنا تتجه إلى الأمور العالمية حولنا.

مثل هذه الفصول من كلمة الله «اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ لاَ يَشْبَعَانِ، وَكَذَا عَيْنَا الإِنْسَانِ لاَ تَشْبَعَانِ» (أمثال 20:27). وأيضاً «وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ، وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ الشُّكْرُ» (أفسس 4:5). هي آيات يمكن أن نحفظها ونلهج فيها عندما نجد أنفسنا في وسط شرير.

أن تصرفنا تجاه العالم الشرير حولنا يجب أن يكون أكثر من مجرد الموقف الدفاعي، يجب أن يكون اهتمامنا ليس فقط من أجل نقاوة أفكارنا وقلوبنا، ولكن أيضاً من أجل المصير الأبدي لأولئك الذين يمكنهم إفسادنا. الله تركنا في العالم لنكون ملحاً للأرض ونوراً للعالم (متّى 13:5، 14). واستخدام الملح مجازياً في علاقتنا بالعالم يعلمنا أن المؤمنين يجب أن يكونوا قوة واقية ومانعة للفساد. الملح يقاوم الفساد، وهكذا المؤمن بإظهار نفسه كمؤمن يقاوم باستمرار الفساد الروحي والأخلاقي، من المؤكد أن العالم شرير، ولكن الله وحده يعرف كم كان سيكون أكثر فساداً وشراً بدون حياة وصلوات القديسين.

كنور للعالم فنحن حملة أخبار الخلاص السارة. المسيح نفسه هو النور الحقيقي، وكما قيل عن يوحنا المعمدان «لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ» (يوحنا 7:1 – 9) المؤمن الذي يشهد بكل إخلاص لشخص آخر، من المستبعد أن يصيبه فساد ذلك الشخص، وبالاهتمام المتسم بالمحبة واللطف واللباقة يستطيع أن يكسب ذلك الشخص للمخلص.

لا يمكن أن نكون ملحاً للأرض ونوراً للعالم فقط بشجب خطايا العالم حولنا. إن حياتنا المقدسة قد تقوم بدور الموبخ واهتمامنا بالآخرين لا يجب أن يكون منصباً بالنسبة لسلوكهم بل بالنسبة إلى حاجتهم إلى يسوع المخلص –

بعد أن دعا المسيح متّى العشار لأن يتبعه، كان مع مجموعة من تلاميذه يأكل في بيت متّى، فتذمر الفريسيون قائلين لماذا تأكلون وتشربون مع عشارين وخطاة؟ فأجاب يسوع وقال لهم: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ، بَلِ الْمَرْضَى، لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (لوقا 30:5 – 32) بكل تأكيد هذا ما يريدنا الرب أن نفعله ونحن نضيء كأنوار في العالم.

قد يكون هناك فساد غير محتمل بحيث نكون مثل لوط الذي كان بالنظر والسمع يعذب نفسه البارة بالأفعال الأثيمة (2بطرس 7:2، 8) قد يحدث مثل هذا الموقف في محيط العمل حيث الضغط المستمر لكسر القانون أو التخلي عن المبادئ، في هذه الظروف علينا ونحن في روح الصلاة بقدر الإمكان أن نبتعد عن هذا الوسط (أعلم أن هذا الأمر غير ممكن بالنسبة للبعض ولكن يمكن أن نلجأ للصلاة وكل شيء مستطاع لدى الله).

المحافظة على القداسة الشخصية في عالم شرير هو باعتراف الجميع أمر صعب، ولكن علينا أن نتأمل في يسوع الذي بالرغم من انه أكل مع عشارين وخطاة إلا أنه كان قدوساً بلا شر «قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ» (عبرانيين 26:7) وعلينا أن نطالبه بالوعد «لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1كورنثوس 13:10).