العودة الى الصفحة السابقة
دموع الرب يسوع

دموع الرب يسوع

جون نور


«وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ» (لوقا 41:19 – 44).

لاحظ معي آية موضوعنا «َفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا» . لقد كان هذا غريباً، فها يسوع يدخل دخولاً انتصارياً، فقبل صلبه بأسبوع، دخل راكباً على ظهر جحش مستعار إلى أورشليم، وفي البداية لأسبوع الآلام الأخير صاحت الجموع: «اوصنا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب » وفي النهاية لهذا الأسبوع صاحوا «أصلبه أصلبه».

ولكن في وسط كل هذا وبينما صاح الآخرون، بكى يسوع. ولذا أقول إن هذا وضع غريب لأنه في مشهد غريب، وبينما الآخرون يهللون، «نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا». انظر إليه إذا شئت تجده جالساً على ظهر الجحش الصغير، وبينما كان راكباً باتجاه هذه المدينة صاحبة الدين والطقوس فاضت دموع كبيرة من وجهه، وبينما كان يبكي بصوت عال سمعه كل من حوله، لقد بكى بصوت مسموع.

لماذا بكى؟ أظن أن يسوع رأى في أورشليم أشياء، نراها في كل مدن العالم اليوم. أشياء كسرت قلبه وجعلته يبكي. وهذه الأشياء يمكن رؤيتها في كل مدينة، على وجه البسيطة.

- بكى يسوع على دينهم المزيف

كانوا يخدمون خدمة شفاه دون اختبار قلبي، ولا بد أن هذا كسر قلبه. قال يسوع: «هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا» (مرقس 6:7). فالذي جعل يسوع يبكي أن الناس يكرمونه بشفاههم أما قلوبهم فهي بعيدة عنه بعد القطب الشمالي عن القطب الجنوبي.

أقول لكم إذا كانت ديانة أي إنسان غير مؤسسة على كلمة الله المقدسة فهي ديانة مزيفة. «لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ: غَسْلَ الأَبَارِيقِ وَالْكُؤُوسِ، وَأُمُورًا أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ» (مرقش 7: 8).

لم تكن لديهم خدمة الشفاه فقط دون القلب، ولا العبادة غير المبنية على الأسس الكتابية، بل كانت عندهم طقوس خالية من المحبة. لا شيء أكثر بغضاً لله من الطقسية غير المؤسسة على حب الرب. «نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا».

- بكى يسوع على ديانتهم الباردة

لاحظ شيئاً آخر. كان هناك مخلصون في هذه المدينة، لكن يسوع بكى على ديانتهم الباردة. لقد رأى حتى في الناس المتمسكين بأصول الدين والمؤمنين بالإنجيل والمخلصين رأى شيئاً كسر قلبه وجعله يبكي. لقد بكى على مسيحيتهم الباردة.

«نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا».

– بكى على نقص الحياة المضحية

نقرأ أن رجلاً أتى ليسوع وقال في لوقا 9 أتبعك. «قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». ولم نسمع عنه قط بعدئذ إذ لم يكن مستعداً لدفع الثمن.

قال يسوع لآخر: «اتبعني». لكنه قال: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فقال له يسوع «دَعِ الْمَوْتَى (بالروح) يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ (جسدياً)»، «لا أريد أن أغادر البيت قبل موت أبي، أنتظر حتى يموت أبي، وبعد أن أدفنه، أتبعك». قال يسوع: «دع هذه الأشياء تهتم بنفسها. دع الموتى يدفنون موتاهم، وأنت اتبعني فوراً. أما الآن وإما لا للأبد». ولم نسمع عنه ثانية قط، لم يرد أن يكسر العلاقات العائلية، ويدفع هذا الكثير الذي هو التضحية بالعائلة.

– لقد بكى على النفوس الضالة، هو بكى ليس فقط على دينهم المزيف، أو ديانتهم الباردة ولا فقدانهم للحياة المضحية، ولكن بالتأكيد بكى على النفوس الضالة. «وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا» (متّى 9: 36). عندما نظر للجموع، كان يهمه نفوسهم، يهمه عدم وجود راع لهم، يهمه الناس المفقودة الضالة، وذهابهم للجحيم.

وبكى بسبب الدينونة الحتمية الاتية عليهم

تخبرنا الأسفار الإلهية بوضوح نظر يسوع إلى المدينة وبكى عليها، قائلاً إنك لو علمت أنت أيضاً ما هو لسلامك». هو يذكر هنا «لو علمت كيف يحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك». والآن عرف يسوع شيئاً لم يعرفه هؤلاء الناس، وهو أن بعد مرور 35 سنة من الوقت الذي بكى فيه على أورشليم، جاء واحد من أعظم المتشبعين بالروح العسكرية القاسية الذي لم يعرفه العالم قط، هذا هو تيطس القائد العسكري العظيم مع جيشه الروماني، سيأتي ويدمر هذه المدينة، وكانت إحدى الكوارث العظمى مدى التاريخ، وحدث قصف دموي مريع في أورشليم عام 70 م. وقيل إن اليهود قتلوا وعلقوا على صلبان، حتى لم تتبق شجرة يصنعون منها مزيداً من الصلبان. وهدمت المنازل وهدم الهيكل وأصبح بمستوى الأرض، كما قال يسوع تماماً «لا يترك فيك حجر على حجر» . وحرثت المدينة على آخرها بعجول تشد المحاريث ووضع ملح في كل مكان حتى لا ينمو عود حشيش أو شجرة تين واحدة. ويقول المؤرخون أنه ربما مليون ونصف مليون يهودياً فقدوا حياتهم خلال خمس وثلاثين عاماً ابتداء من وقت بكاء يسوع على أورشليم. وفاض الدم تلقائياً كالماء! لقد عرف يسوع كل هذا.

صديقي إن استطعت التمييز وفهمت معنى أن تموت في خطاياك وتنفصل عن الله للأبد، ستبكي أنت أيضاً. لذا بكى يسوع متعاطفاً. بكى وهو يفكر في التخلية المؤقتة عن الله وبكى على مدينة ضالة. إن لم تكن مختبئاً في الصخر وآمناً في دم الحمل ومغطى بدمه الثمين وإن لم تكن مخلصاً حقاً. التمس منك في اسم الله، أن تأتي إلى المخلص الباكي. صديقي إن استطعت التمييز وفهمت معنى أن تموت في خطاياك وتنفصل عن الله للأبد، ستبكي أنت أيضاً. لذا بكى يسوع متعاطفاً. بكى وهو يفكر في التخلية المؤقتة عن الله وبكى على مدينة ضالة. إن لم تكن مختبئاً في الصخر وآمناً في دم الحمل ومغطى بدمه الثمين وإن لم تكن مخلصاً حقاً. التمس منك في اسم الله، أن تأتي إلى المخلص الباكي.

«نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا» (لوقا 41:19).