العودة الى الصفحة السابقة
المحبة ولدت يوم ميلاده

المحبة ولدت يوم ميلاده

جون نور


المسيح الذي نعيد بميلاده اليوم ويشاطرنا في ذلك من تبعه ومن لم يتبعه أضحى يوم التاريخ، فعيد ميلاده هو عيد السماء على الأرض أو هو عيد الأرض على نفقة السماء ،فلم تساهم الأرض مع السماء في هذا العيد إلا بمولود فرد ليعود الفضل للسماء، ويكون لها كل المجد.

فوليد هذا العيد ليس ثمرة زرع بشر لكنه كلمة الله هبط من العلاء، ومبادئ ملكوته وتعاليمه ليست مشتقة من شرائع الأرض لكنها قبس من وحي السماء. نزل على هذه الدنيا فقلبها رأساً على عقب. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين، ورسالته التي نشرها على الأرض، هي سهام محبة مضحية سرت في القلوب كما يسري في الوجود الضياء، فسلامه غريب عن معجم لغة البشر، فلا عجب إذا كان العالم لم يتعلم إلى اليوم معنى سلامه، لأن لسان الأرض لا يجيد النطق بلغة السماء ولم يتعلم البشر أيضاً معنى ميلاده لأن هذا هو الدرس الرئيسي الذي يلقيه علينا الميلاد العجيب لأن الله حين أراد أن يكلمنا نحن البشر في الأيام الأخيرة لم يكلمنا بلغة الطوفان كما تكلم في عصر نوح ولم يخاطبنا بلغة النار المحرقة كما خاطب سدوم وعمورة ولا بنار غير محرقة كما خاطب موسى في العليقة. بل تمثل لنا بشراً سوياً فأتانا طفلاً وديعاً رأيناه في المهد صبياً فكان عنا وعن متاعنا غنياً فهيأ له الروح القدس جسداً علوياً. لأن أمه العذراء الطهور حملته من غير أن يمسسها بشر. وفي يوم ميلاده لم يكن له بيت بين البشر. فولد في مذود محتقر. فهو عجيب في ميلاده الإعجازي، عجيب في شخصه لأنه معجزة الأجيال والدهور فقد سما بطبيعته الإلهية فوق السماوات، ولامس بطبيعته الإنسانية هدب الأرض. عجيب في رسالته فقد كشف أسرارها للأطفال وأخفاها عن الحكماء. عجيب في موته فقد مات كالأشرار وهو القدوس البار.

فما أحبه وما أعجبه ما أعذبه وما أرهبه. لقد تجسد فصار كواحد منا. نزل إلينا ليرفعنا إليه، وكلما سمونا نحن إليه ارتفع هو فوقنا فهو القيامة والحياة.

المسيح خلال تجسده على الأرض لم يولد في قصور الملوك وإنما في مذود للحيوانات في مغارة بيت لحم لأن يوسف والعذراء مريم لم يجدا لهما مكاناً في فنادق المدينة ولا في بيوتها، وفي ذلك قال السيد المسيح: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (لوقا 58:9) لقد ترك السيد المسيح الأمجاد في السماء وولد كأي إنسان وشابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة، فولد في بساطة وتواضع لكي يرفعنا إلى المجد بعد أن كان الكبرباء هو الذي أسقط إبليس وملائكته وأيضاً آدم وحواء.

وهكذا نرى أنه مع ميلاد السيد المسيح تمتع الناس بعهد جديد ملؤه الفرح الحقيقي والخلاص والسلام والمصالحة والمحبة والتواضع كقول الرسول بولس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كورنثوس 17:5). نأمل أنه كما غفر الله تعالى خطايانا وسامحنا على كل شيء وبدا معنا عهداً جديداُ في عيد الميلاد المجيد أن نفعل نحن كذلك بأن نغفر لبعضنا بعضاً ونسامح بعضنا ونتصالح معاً وننسى الماضي بسيئاته ومآسيه لأنه لا تفيدنا الكبرياء والعنصرية والعنف والفتنة والقتل والانتقام وإنما المهم أن نبدأ معاً عهداً جديداً قائماً على أساس المحبة والسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعاون ومخافة الله تعالى وهكذا فقط يصير عيد الميلاد المجيد عيد ميلاد كل واحد منا.

هذا هو المسيح الذي نحتفل بذكرى عيد ميلاده، أعلن لنا بحياته ومعجزاته ومماته وقيامته أن الله محبة. فليس عجباً إذاً أن يقال أن المحبة ولدت يوم ميلاد المسيح لأنه أعلن لنا الحب الإلهي في أسمى مراتبه. إذ أرانا بحياته وتعاليمه كيف يحب الإنسان أخيه الإنسان ويحب مضطهديه ويبارك لاعنيه ويحسن إلى مبغضيه. مبارك اسمه إلى الأبد.