العودة الى الصفحة السابقة
اذهبا واربح

اذهبا واربح

جون نور


القراءة: مرقس 17:10-22

«وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ». فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ».

الكلمة «اذهب» تردّدت كثيراً في الكتاب المقدس وخصوصاً على لسان الرب. وكأن الرب يقول لنا في هذه الكلمة: تحرك، قم بعمل ما، اذهب، كفاك قعوداً، جاهد، إتعب، أطلب لكي تجد، اسأل لكي تُعطى، اقرع لكي يُفتح لك، اذهب وحصّل، اذهب وتاجر لكي تربح، ضع الربح نصب عينيك، تحرك لكي تربح، وإن لم تتحرك فأنت خاسر حكماً.

قبل المجيء إلى المسيح، لا بدَّ من الذهاب أولاً. فمع أنّ المسيح يقول: «تَعَالَوْا إِلَيَّ... وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متّى 28:11)؛ هذا الشاب جاء الى الطريق الصحيح وإلى الشخص الصحيح وسأله: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» (مرقس 17:10). كان حريّاً به، بحسب رأينا، أن يقول له المسيح: لقد وصلت، فأنا هو الحياة الأبدية. تعال واتبعني فترث الحياة وتربح نفسك. لكن المسيح قال له «اذهب» لكي تربح. ولأنه لم يذهب، كانت النهاية أنه «مضى حزيناً». فهو لم يُرِد أن يذهب في طريق الرب بل في طريقه هو.

قال له المسيح: اذهب أولاً وتخلّص من ذاتك ومن أفكارك ومما عندك واعمل عملاً مهمّاً، عمل التوبة والتجريد. لا تأتِ إليّ كشاب ولا كغني ولا كرئيس، اذهب «بع كل مالك» واربح نفسك. «لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟» (متّى 26:16). «فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ» (مرقس 22:10).

غالباً ما نتمسك بما عندنا وبماضينا وبتأثيراته فينا. والمسيح يريد أن ينسينا الماضي بكل ما فيه ويحوّل أنظارنا إلى الأمام لكي يعالج موضوع المستقبل. تعامل المسيح مع الزانية التي جيء بها إليه ممسّكة بذات الفعل، وبعد معالجة طويلة لهذه المرأة بماضيها وحاضرها، وجّه المسيح الأنظار نحو مستقبلها. فقلّما يهتم المسيح بمن نكون، وماذا فعلنا، وما هو ماضينا، وما هو سجلّنا. إنه يتطلّعِ نحو مستقبلنا وتجهيزاته لحياة أفضل من الماضي.

ونحن نريد ان نتمسك بما عندنا، بِعقد الذنب، وبلوم نفوسنا، ونريد أن ندفع ثمن أخطائنا. يقول لهذا المرأة: «اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يوحنا 11:8). وكأنه يقول لها: نحن نريد أن نتكلم عن أخطاء الماضي والحاضر ولكننا نتطلّع نحو مستقبل أفضل. اذهبي بصفحة جديدة وبموقف جديد وبتطلع جديد وبشخصية جديدة اذهبي واربحي نفسك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً.

هذا التعليم واضح في الكتاب المقدس وخصوصاً على فم الرب حين قال: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 15:16). وهذا الكلام موجّه إلى كل واحد منا وليس إلى فئة معيّنة من المؤمنين. ويتابع الوحي فيقول: «وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ» (مرقس 20:16). لقد وعد الرب أن يكون معنا ليس حين نجتمع في الكنيسة فقط بل حين نذهب لكي نربح الآخرين له.

خسارة أن لا نذهب والربح مضمون وأكيد. خسارة أن نكتفي ببركات الوجود في الكنيسة في محضر الرب حيث الترنيم والتسبيح والصلاة والجو الجميل، حيث لا توجد مسؤولية ولا شياطين ولا أرواح شريرة ولا صراع ولا مواجهة ولسان حالنا: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا!» (متّى 4:17).

بينما كان بطرس يصلّي قال له الروح: «قُمْ وَانْزِلْ وَاذْهَبْ» (أعمال الرسل 20:10). اذهب واربح كرنيليوس وأهل بيته. لماذا لا يأتي كرنيليوس إليّ؟ بل أنت تذهب إليه عالماً أن الخدمة تحتاج إلى نشاط وعمل واهتمام وخروج.

هنالك الكثير من الناس غير المهتمين بخلاص نفوسهم، يجهلون معنى محبة المسيح ومعنى الهلاك الأبدي. لكن الرب مهتم، وعلى الكنيسة أن تهتم أيضاً. سافر بطرس مدة يومين على الأقل ليربح كرنيليوس وأهل بيته.

"وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ إليه» (لكن أنا أكبر منه وأفهم منه)، «فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ» (لكن أنا أفضل منه وأنا لم أخطئ) «اذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا» (وضعْ عينيك في عينيه وأقنعه بأنه مخطئ)، حتى «إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ» (متّى 15:18). اذهب ولديك النيّة والرغبة بأن تربح أخاك.

ما يدعو للغرابة أننا أحياناً كثيرة نطوف البرّ والبحر لكي نربح الذين هم من خارج، ولا نستطيع أن نربح إخوتنا. لا توجد لدينا الرغبة في أن نربحهم بشتى الوسائل والطرق. نحاول ونحاول، وإن فشلنا فعلينا تكرار المحاولة حتى نحقق الغاية المنشودة.

لقد غفر المسيح لنا خطايانا واستطاع أن يربحنا بمحبته. ولو كان لديّ الإدراك العميق لهذه المحبة لاستطعت أن أسامح الآخرين بقصد أن أربحهم.

أخي الحبيب، اذهب واربح أخاك، والذي أخطأ إليك سامحه لكي تربحه من دون أن تعاتبه، لا نتهرب كما تهرّب قايين قديماً عندما سأله الرب: «أَيْنَ أَخُوكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» (تكوين 4: 9). فليتدبّر أمر نفسه، فأنا لست مسؤولاً عنه. كل واحد منا حارس لأخيه. لنرفع بعضنا بعضاً أمام عرش النعمة بالصلاة. نقدم كل مساعدة ممكنة كي نستطيع أن نربح.

اذهب واربح نفسك. اذهب واربح الخطاة. اذهب واربح أخاك. اذهبي واربحي أختك.