العودة الى الصفحة السابقة
علاج الهموم

علاج الهموم

جون نور


قال أحد رجال الله القديسين بأنه توجد ثلاث درجات في الحياة المسيحية:

1 - حياة قلقة مضطربة كالبحر الهائج لا يقر لها قرار فهي كريشة في مهب الريح لا تستقر على حال من القلق والاضطراب.

2 - حياة... بين... وبين تعلو أحياناً فتبدو كأنها فوق جبل التجلي ثم لا تلبث أن تعود لتسير وكأنها في وادي ظل الموت. وهنالك نوع ثالث من الحياة وهي:

3 - حياة السلام، حياة الهدوء والطمأنينة تلك هي الحياة التي وضعت كل ثقتها في الله وألقت كل أحمالها وأثقالها عليه. إنها تلك الحياة التي تتخذ من يسوع هدفاً أساسياً للحياة. إن نفساً كهذه مهما هبت عليها الزوابع والعواصف ومهما حلت عليها المتاعب والهموم، لا بد أن تتمتع بالهدوء والراحة والسلام الذي يفوق كل عقل.

نحن كبشر لا نقدر أن ننكر أننا نعيش في عالم مليء بالأحزان والخوف والقلق والهموم... الخوف مما يأتي، والقلق على مستقبلنا، وتدبير أمورنا اليومية مما يجعلنا نعيش في هموم قاتلة بل عدة هموم أن المسيح له المجد لا يمنع الإنسان من الاهتمام بالمستقبل، ولا يريدنا أن نحيا حياة الخمول والتراخي والكسل، بل يريدنا أن نقوم بواجباتنا متكلين عليه مستودعين كل أمورنا لعنايته القديرة، لكن الهموم غير المشروعة، هي التي تعطل عواطفنا عن السمو إلى الله، وتشككنا في قرب المسيح منا وعنايته بنا، فتجعلنا تلك الهموم ننظر إلى المستقبل نظرة الخائف الحائر، لأن هذه الهموم تتسرب إلى عقولنا وأفكارنا، وتسيطر على قلوبنا، فتسبب لنا الألم، تلك الهموم ينهانا الله عنها فيقول لا تهتموا للغد بل يأمرنا أن نلقيها عليه «أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ» (مزمور 55: 22) لكن البعض ينظرون إلى الهموم، فيعتبرونها ضعفاً أو نقصاً عابراً، وأمراً بسيطاً جداً، ولكنها في نظر الله خطية صريحة، بل هي خطية الخطايا، لأن الرب نفسه الذي قال لا تسرق، ولا تقتل، قال هو نفسه أيضاً لا تهتم.

ولكي نعالج همومنا ونتغلب عليها علينا أن نعلم بأن:

1 - أحسن علاج لهمومنا، هو أن نلقيها كلها على الله... هذا هو الأمر الإلهي الصريح الذي يقول: «أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ» وأيضاً يقول: «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (1بطرس 5: 7) كثيرون في آلامهم وهمومهم، يلجأون إلى وسائل مادية إنسانية، لا تروي الغليل، بل تزيد آلامهم آلاماً فيحاولون أن يلقوا أحمالهم على الله، وفي نفس الوقت يضعونها على أكتافهم. يأتون إلى الكنيسة ويتركون همومهم خارجاً ولكن حالما يخرجون من الكنيسة تعود همومهم إليهم كما كانت.

الله يطلب منا أن نلقي كل الهم لا بعضه، نجمع كل همومنا وآلامنا الكبيرة والصغيرة، ونحزمها في حزمة واحدة ونلقيها كلها عليه.

2 - ومن أنجح الوسائل لمعالجة الهموم أن نحيا حياة الصلاة، «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ» (فيلبي 4: 6) الله يطلب منا أن لا نهتم بشيء مطلقاً... بأي شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً لأن الدواء الناجح لمعالجة همومنا هو أن نلجأ إلى الله بالصلاة...

من عيوبنا أننا تعودنا أن نصلي ونطلب لأجل الاهتمامات الكبيرة... هذا إن كنا في الحقيقة نصلي. لان الصلاة أصبحت بالنسبة للكثيرين عادات بالية وقديمة ولا يليق بمسيحيي القرن الحادي والعشرين أن يصلوا، يقول الكتاب: «صَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متّى 26: 41)، ولكننا نصلي فقط عندما ندخل في التجربة، وبعد أن تهدنا المشقات وننحني تحتها، نتذكر بأن نلجأ للصلاة.

3 - كما أن أفضل علاج لهمومنا هو الإيمان لأننا إن كنا نؤمن أن كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من حياتنا هي في يد الله، فإننا نحتمل كل شيء ونعمل كل شيء، فالإيمان هو الثقة بالله في وسط الظلام، فالإيمان ينظر إلى ما وراء الغيوم ويرى ما لا يرى، فمتى بدأ الإيمان انتهى القلق ومتى بدأ القلق انتهى الإيمان، ورابعاً يوجد علاج للهموم والقلق في:

4 - درس كلمة الله والتمسك بمواعيدها... يوجد في الكتاب المقدس آلاف المواعيد الصادقة والأمينة لكل مناسبة، ولكل ظرف من ظروف حياتنا، ففي صفحات الكتاب المقدس نستطيع أن نجد المشورة الصالحة وقت التجربة، والتشجيع في ساعة الخطر، والصبر ساعة الشدة، والتعزية ساعة الحزن، والألم، كما أن أفضل علاج للقلق والهموم هو:

5 - الاكتفاء بما عندنا والرضى بما نحن فيه... من أكبر الأخطاء التي نرتكبها هو محاولتنا أن نكيف الظروف كما نريد، بينما كان من الواجب أن نكيف نفوسنا حسب الظروف التي نمر بها واثقين أن كل الظروف التي نجتازها كأولاد الله هي مرتبة من الله وكلها بحكمة صنعت فنرضى بها ونشكر الله عليها بعيداً عن حياة التذمر والتبرم، وبذلك لا يستطيع الهم أن يتسرب إلى قلوبنا لو استطلعنا رأي الأطباء لوجدناهم يقولون أن جزءاً كبيراً من أمراض البشر سببها الهم، وعبثاً يحاول الإنسان أن يشفى من هذا المرض، بالعقاقير الطبية والصدمات الكهربائية.

لماذا نخاف من المستقبل على أعمالنا وأولادنا، وحياتنا لماذا نقلق ونهتم بما نأكل ونشرب ونلبس ونحن نعلم أن الله هو المسيطر على كل أمر من أمور حياتنا؟ ألم يقل: «لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ» (متّى 6: 25 و26). إن الله يعتني بالطيور التي خُلقت لأجل الإنسان، فكم تكون عناية الله بتاج خليقته، ألا وهو الإنسان فمن يهب الحياة فهو بالأولى يقدم ضروريات الحياة من الطعام، ومن خلق الأجساد كفيل بتسديد حاجتها من اللباس، «الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ» (مزمور 34: 10). فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقلوا بهموم الحياة.