العودة الى الصفحة السابقة
المحبة الفائقة المعرفة

المحبة الفائقة المعرفة

جون نور


«وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ» (أفسس 19:3)

لو كنت أستطيع أن أجعل الناس يفهمون المعنى الحقيقي لكلمات الرسول يوحنا ان الله محبة لكنت أطوف العالم من أقصاه إلى أدناه معلناً هذا الحق المجيد. ولو استطعت أن تقنع إنساناً أنك تحبه. فأنت بذلك تكون قد ربحت قلبه. وهكذا إن استطعنا بحق أن نجعل الناس يصدقون أن الله يحبهم. فإننا سوف نجدهم يسرعون بالآلاف إلى الدخول في ملكوته السماوي، لكن المشكلة هي أن الناس يظنون أن الله يبغضهم ولذلك فهم يهربون منه باستمرار.

لا يوجد شيء في هذا العالم يهتم به الناس أكثر من المحبة. أرني إنساناً ليس له من يحبه أو يعتني به وأنا أريك فيه حطاماً متحركاً يتنقل على سطح الأرض.

لا توجد حقيقة في كل الكتاب المقدس ينبغي علينا أن نقبلها بكل ما فيها من قوة وحنان أكثر من حقيقة محبة الله للبشرية، وهي في الوقت ذاته الحقيقة التي يحاول الشيطان بكل جهده أن يمحوها من أمام الناس بأية وسيلة. فمنذ نحو ستة آلاف سنة وهو يحاول أن يقنع الناس أن الله لا يحبهم، وقد نجح في جعل أبوينا الأولين يصدقان هذه الخدعة، وهو غالباً ما ينجح أيضاً مع نسلهما.

إن فكرة عدم محبة الله لنا غالباً ما تكون نتيجة بعض التعاليم الخاطئة، فالأمهات يخطئن عندما يعلمن أولادهن أن الله لا يحبهم عندما يرتكبون خطأ ما. وإنما يحبهم فقط عندما يفعلون ما هو صالح. هذا التعليم لا أساس له في الكتاب، فإن أعمال أولادك الخاطئة لا تبدل محبتك لهم ببغضة، وإلا لكانت عواطفك من ناحيتهم تتغير مئات المرات في فترة وجيزة. أنت لا تطرد ابنك وتتبرأ منه لأنه لم يطعك في أمر ما أو لأنه ارتكب ما يخالف إرادتك، لكنه يبقى ابنك وتستمر محبتك له. وهكذا الأمر بالنسبة لله، فعندما يشرد الإنسان بعيداً عن الله فإنه لا يبغضه، وإن كان يبغض الخطية التي فيه.

إن أردنا أن نعرف محبة الله علينا أن نذهب إلى الجلجثة. ترى هل نستطيع أن نتطلع إلى منظر الصليب ونقول إن الله لا يحبنا؟ إن محبة الخالق لم تعلن بوضوح أكثر من ذلك الإعلان الذي تم على الصليب. ما الذي دفع الآب أن يضحي بالابن؟ ما الذي دفع المسيح أن يموت، ما لم تكن المحبة؟ «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا 15: 13)، لكن المسيح ضحى بحياته لأجل أعدائه، لقد بذل نفسه فداءً عن قاتليه ومبغضيه، لذلك فالروح الذي يرفرف على الصليب المقام فوق رابية الجلجثة هو روح المحبة. عندما كانوا يستهزئون به ويسخرون منه ماذا قال؟ «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ» (لوقا 23: 34) ، هذه هي المحبة. إنه لم يطلب ناراً من السماء لتهلكهم، لكن لم يكن في قلبه من جهتهم سوى المحبة.

لمدة ثلاث سنوات عاش المسيح مع تلاميذه يحاول أن يعلمهم حبه، ليس فقط بالقول ولكن بالعمل أيضاً. وفي ليلة محاكمته أخذ المغسل واتزر بمنشفة، وعوضاً عن الخادم غسل أرجل التلاميذ لكي يعلمهم حبه غير المتغير في كل الظروف.

إن أقوى محبة بشرية نعرفها هي محبة الأم. أمور كثيرة قد تفصل الرجل عن زوجته، الأب قد يدير ظهره لأولاده، الاخوة والأخوات قد يصبحون أعداء ألداء، الأزواج قد يهجرون زوجاتهم والزوجات أزواجهن، لكن محبة الأم تثبت على الدوام. في الصيت الحسن وفي الصيت الرديء، في مواجهة إدانة المجتمع بأسره تستمر الأم محبة لابنها راجية أنه يوماً ما سوف يرجع عن طريقه الخاطئة ويتوب. إنها تذكر ابتسامات الطفل البريء وضحكات طفولته المرحة، ولا تستطيع أن تتصور أنه لا يستحق محبتها. الموت لا يستطيع أن يلاشي محبة الأم... إنها أقوى من الموت.

لكن دعني أقل لك إن محبة أي أم لا يمكن أن تقارن بمحبة الله. ولا أم في الوجود أحبت أطفالها بنفس مقياس المحبة التي أحبنا الله بها. فكر في تلك المحبة التي دفعت الله أن يقدم ابنه ليموت عن العالم، «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3).

لو سألتني عن سبب محبة الله لنا، فلن أستطيع أن أجيبك. ربما لأنه أب حقيقي من طبيعته الحب. فكما أن طبيعة الشمس أن تشرق كل صباح، هكذا طبيعة الله أن يحب البشر. إنه يريدك أن تأخذ نصيبك في حبه. لا تدع عدم الإيمان يبعدك عنه. لا تظن أن الله لا يحبك لأنك خاطئ، إنه يحبك، وصليبه هو أكبر دليل على ذلك.

قد يقول أحدهم: «إن كان الله يحبني كما تقولون، فلماذا لا يجعلني صالحاً» ؟. إن الله يريد أبناءً وبنات في السماء، لكنه لا يريد آلات أو عبيداً. إنه يستطيع أن يكسر قلوبنا ويحطمها، لكنه يريد أن يجتذبنا إليه بربط المحبة.

إنه يريدك أن تجلس معه في عشاء عرس الخروف. إنه يريد أن يغسلك ويجعلك أكثر بياضاً من الثلج. إنه يريدك أن تمشي معه خلال الأبواب اللؤلؤية. إنه يريد أن يتبناك ضمن أسرته ويجعلك أبناً أو ابنة للسماء. هل تدوس حبه تحت قدميك؟ أو هل تسلم حياتك له... الآن؟

هذه هي الأخبار السارة المفرحة التي يحملها الإنجيل، ليتك تصدقها اليوم، لتقبلها في قلبك بالإيمان فتنتقل من خطاياك العديدة إلى حياة جديدة مجيدة. دع محبة الله تشرق في قلبك بالروح القدس فتطرد كل ظلمة وكل خطية وتمتعك بالسلام والفرح الكامل.