العودة الى الصفحة السابقة
مكافآت الله الكافية

مكافآت الله الكافية

جون نور


«هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال... وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ» (دانيال 3: 25).

القراءة من دانيال 1:3 - 30

كلنا نعرف قصة دانيال وأولئك الشبان الثلاثة الذين سبو إلى بابل والذين وقعت قرعتهم ان يوجدوا في قصر الملك الملك نبوخذنصر وعلينا ان نتصور الظروف التي احاطت بهم في ذلك الوقت لقد كان نبوخذ نصر يقدرهم حق قدرهم، ولذلك أحسن معاملتهم فأثار ذلك حسد رجال القصر البابلي وغيظهم. وهذا أمر طبيعي. وبعد ذلك صمم رجال القصر على التخلص من المتطفلين الثلاثة بأية طريقة ممكنة وصدر المرسوم القاضي بأن يسجد جميع الشعب لتمثال نبوخذ نصر الذهبي الذي أقيم تعظيماً لإنتصارات الملك وإبرازاً لمجده، فكان ذلك المرسوم فرصة سانحة.

كان الشبان الثلاثة يعرفون دون أي ريب الطريق الذي يجب أن يسلكوا فيه. ألم يأمر الرب «لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا» (خروج 20: 4) و«لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خروج 20: 3) عندما رفض الشبان أن يسجدوا للتمثال «امْتَلأَ نَبُوخَذْنَصَّرُ غَيْظًا» (دانيال 3: 19) إن عدم رضوخهم لرغبة الملك كان عقابه الطرح في أتون النار. وهكذا أمر بأن يحموا الأتون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتاداً أن يحمى. وهذه هي خلفية القصة لحلقتنا اليوم.

تجلى سمو إيمانهم في رفضهم القاطع أن يتخلوا عن أمانتهم لإلههم ولا بديل لذلك غير أتون نار محمي سبعة أضعاف. كان إيمانهم يتحدى الخوف حقاً. لقد عبروا عن ذلك الإيمان بالكلمات السامية التالية: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ فَلِْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ» (دانيال 3: 16 - 18).

ولنلاحظ هنا موارد الإيمان كما جاءت في كلماتهم:

الإيمان بقدرة الله على إنقاذهم كان أول تلك الموارد. «إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا».

لقد جعلهم إيمانهم جماعة لا تقهر ولا تحترق.

«وَإِلاَّ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ». كان إيمانهم ثابتاً غير متزعزع حتى وإن كان الله لا يريد إنقاذهم. هذا هو موقفهم: «حتى وإن كان الله لا يفعل ما نتوقع منه فإيماننا لا يعثر، وثقتنا فيه وفي محبته تظل غير متزعزعة».

الإيمان يواجه دائماً بالإختيار. نستطيع أن نختار الطريق العالية، إن شئنا، أو الطريق الواطئة. لم يكن الإختيار الذي واجهه الشبان الثلاثة إختياراً سهلاً، ونحن أيضاً لن يكون الإختيار الذي نواجهه سهلاً. إنه إختبار، وكثيراً ما يكون مؤلماً. ماذا لو كان عليك أن تختار بين أن تعبد تمثال الملك أو تحترق في أتونه؟ لم يطالب نبوخذ نصر أولئك الشبان بأنكار إيمانهم بل بأن ينحنوا فقط أمام تمثاله.

هناك درسان هامان لا بد من تعلمهما جيداً.

النجاة من التجربة ليست بالضرورة خيرنا الأسمى. لم ينقذ الله الرجال الثلاثة من أتون النار بل أنقذهم وهم فيه. ليس في الكتاب أي وعد من الله بأن يجنبنا الوقوع في التجارب. إن ما نتعلمه وسط أتون التجارب خلال أيام قليلة يفوق كثيراً ما نتعلمه في سنين عديدة بدون أتون أو تجارب. بعد التجربة نخرج ولنا إيمان بإله أعظم.

هل لنا في لغتنا الروحية كلمة «وإلا» الكلمة التي قالها الشبان الثلاثة للملك نبوخذ نصر؟ وهل لنا، كما كان لهم، هل إيماننا ضد الحريق ولا تقدر عليه النار؟ هل نظل على إستعداد للقول «وإلا»، وبعزم الإيمان والتسليم لله نجتاز وسط ذلك الأتون الملتهب؟ في كل هذه لنعمل كما عمل الفتيان الثلاثة الشرفاء الذين بإيمان لم يعرف الخوف أبقوا ثقتهم في الله على الرغم من أنهم لم يتوقعوا أية نجاة لقد قال أؤلئك الثلاثة: «وإلا فليكن معلوماً لديك أيها الملك أننا سنواصل إيماننا وثقتنا بالله». إنهم لم يقعوا في شرك «الرثاء للذات» أو عدم الإيمان.

لم يكن إيمان الرجال الثلاثة عبثاً أو بلا تقدير أو مكافآة. الشركة مع إبن الله كانت إمتيازهم الأول. قال الملك نبوخذ نصر: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ» (عدد 25) في أتون التجربة يصبح الرب أقرب إلى المؤمن المجرب مما هو في أي وقت آخر. لم يتنازل الرب ولا أصبح في رفقتهم إلا عندما دخلوا أتون النار. لقد تصرفوا بإيمان وهو إستجاب بعد أن جازفوا بكل شيء مؤمنين به.

لقد إضطر أهل بابل وعلى رأسهم الملك إلى التسليم، بكل إحترام وخوف، بأن الرب قد إنتصر وأن الإعجوبة التي حدثت كانت كاملة لا شك في ذلك وأن الرجال الثلاثة الشجعان أتباع الإله العلي لم يصابوا بأي أذى، وحتى رائحة النار لم تأت عليهم.

نرى في هذه الأيام نيران الإمتحان تشتعل حولنا نحن أيضاً في هذا العالم. ولا بد من وجود تمثال هنا أو هناك ينتظر أن نقدم له السجود. وأتون النار، رغم إنه تغير في إسلوب عمله، ولكنه ما زال قائماً كحقيقة مبدئية. والعالم يواصل تهديده بأنه سيطرحنا في أتون نبذ المجتمع لنا. فإن كنا نأبى الخضوع لإله العادات الدارجة نمسي طعماً لنيران السخرية في المجتمع. قد لا يكون الوقت قد حان لنتعرض فعلاً لنيران الإضطهاد، لكن علينا أن نكون واثقين من أن لنا إيمان الشبان الثلاثة غير القابل للإحتراق، فبإيمان كهذا فقط نستطيع أن نتمتع بمكافآت الله الوافرة.