العودة الى الصفحة السابقة
غربلة الحصاد

غربلة الحصاد

جون نور


ما يريد كل منا أن يراه في كنيسة المسيح هو جماعة المزمنين وقوامها مؤمنون حقيقيون بلا عيب أو دنس يعكسون فيها صورة المسيح الكاملة. ونريد أن نرى رجال دين وهم ينطقون باسم الله بين الناس، نريد رجالاً يمثلون ربهم في الفكر والقول والعمل. نريد خداماً لم تتبلد مشاعرهم الروحية بعد بل قادرين دوماً على الإحساس بأي خطر بسبب اتصالهم الدائم بالمسيح. ثم في محبتهم وصبرهم وإقدامهم يحذرون الناس من الخطر.

نريد أن نرى شعباً لله أميناً وصادقاً لا تشوب أخلاقه أية شائبة. لا نريد أن نرى في شعب الله عضواً فاسداً محباً للعالم، متكبراً مرائياً خائناً منتقداً لأخوته وللرؤساء، أنانياً لا يسرَّ بالعطاء ولا يحسن إلى الضعفاء.

الغربلة آتية:

هنالك عملية «هز» و«غربلة» آتية علينا. قال الله عن شعبه قديماً: «لأَنَّهُ هأَنَذَا آمُرُ فَأُغَرْبِلُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ جَمِيعِ الأُمَمِ كَمَا يُغَرْبَلُ فِي الْغُرْبَالِ، وَحَبَّةٌ لاَ تَقَعُ إِلَى الأَرْضِ» (عاموس 9:9). وشعب الله اليوم سيغربل أيضاً، والحقيقة أن الغربلة تتقدم وهي لن تستثني أحداً.

«الهز» و«الغربلة» كلمتان ترمزان إلى عملية فصل الحنطة عن الزوان. وهذا ما يحدث أيضاً بالنسبة للكنيسة إذ سيخضع كل عضو بمفرده ثم الأعضاء ككل لتجارب خاصة في الإيمان. إن عملية الغربلة تشبه عمل مزارع يحصد الحنطة ويدرسها ليفصل الحبة عن الساق ثم يقوم بتذريتها. ويكون ذلك عادة بقذف الحنطة في الهواء بمذراة (أنظر إرميا 11:4 و12). وبهذا يطير القش والتبن وتسقط الحنطة إلى الأرض. وبعد التذرية تأتي عملية الغربلة. فمن حيث أن المواد الغريبة لا تزول كلها بالتذرية تكون هنالك حاجة إلى غربال (عاموس 9:9) وبواسطته تهز الحنطة ذات اليمين وذات الشمال لفصل الحنطة الجيدة وغيرها من المواد الغريبة عنها. وعندما يهز الغربال تبقى الحنطة الجيدة فيه وتسقط حبات التراب. وعملية الغربلة هذه تفصل الجيد عن الرديء والطاهر عن الدنس.

وهناك عملية مشابهة تحدث في كنيسة المسيح الآن بطريقة خاصة، وهي ستؤثر على كل شخص. هذه الغربلة مع أنها تنقي وتقوي البعض إلا أنها ستعزل الضعيف والمشكك.

في مثل العذارى العشر يصف المسيح الغربلة التي ستحدث في الكنيسة في زمن المنتهى (متّى 1:25 - 3). واختبار العذارى العشر يمثل اختبار الكنيسة التي ستعيش قبيل مجيء ربنا ثانية. في ذلك المثل نرى «أن العذارى العشر جميعهن خرجن للقاء العريس. وكانت معهم جميعاً المصابيح وأواني الزيت. وقد ظللن بعض الوقت وكأن لا فرق بينهن». وكذلك ستكون الحال مع الكنيسة التي ستكون قائمة قبيل مجيء يسوع المسيح ثانية بصورة مباشرة. فالجميع يعرفون الكتب. والجميع سمعوا الرسالة المنبئة بقرب مجيء المسيح وهم ينتظرون ظهوره بثقة. لكن كما في المثل كذلك الحال الآن. فإنه ستكون هنالك فترة انتظار لامتحان الإيمان وعندما يسمع الصراخ القائل: «هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ!» (متّى 25: 6) سيكون كثيرون غير مستعدين. إذ لا يوجد زيت في آنيتهن مع مصابيحهن.

هذه صورة محزنة، فمن هم الكثيرون الذين سيوجدون غير مستعدين؟ إنهم جميعاً أعضاء في الكنيسة يحضرون اجتماعاتنا ويشاركون في نشاطاتنا. والمثل يشير إليهم على أنهم «العذارى الجاهلات»؟ إنهم في حفلة العرس لكنهم ليسوا جزءاً منها. والذي يدعو فيهم إلى الأسى هو أنهم ليسوا مرائين بل يقدرون الحق وقد دافعوا عن الحق ويميلون إلى من يؤمنون بالحق لكنهم لم يخضعوا ذواتهم لعمل الروح. إنهم لم يسقطوا على الصخرة المسيح يسوع ولم يسمحوا لطبيعتهم القديمة أن تنكسر.

إنهم يحبون الله بجزء واحد فقط من قلبهم وجزء من نفسهم وجزء من قدرتهم وجزء من فكرهم. هؤلاء هم الأعضاء الذين يستعملون عقولهم ويدرسون الكتاب المقدس لكنهم لا ينقبون عميقاً بحثاً عن كنوزه الدفينة. هؤلاء هم الأعضاء الذين ينسون أن الحياة أقصر من أن ننفقها في غير طائل. إنهم يضيعون اللحظات الثمينة ومع ذلك يشعرون أن لا وقت عندهم للشهادة للمسيح أو التحدث عن اختباراتهم الروحية. يوجد في كنيسة الله اليوم العديد من أمثال هؤلاء الأعضاء. وهذا هو سبب ضعفها.

فما أكثر الأعضاء الذين يسيرون على هواهم. يدَّعون أنهم جزء من جسد المسيح لكنهم لا يريدون أن يسترشدوا برأس المسيح (أنظر كولوسي 18:1) الذي اشترى إرادة كل إنسان وعواطفه وعقله ونفسه. ولهذا السبب سيسمح الله بإجراء عملية غربلة خاصة بهم. فيجب أن تتنقى الكنيسة وتتطهر. وكم من الأعضاء سيتغربلون!

ما أحزن أن نرى الكثيرين يتركون ربهم ويرجعون للعالم. «لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!» (متّى 13:7 و14).

يتوق الله لتخليص نفوس كل الناس. وليست لديه رغبة في أن يهلك أحد بل أن يأتي الجميع إليه ويخلصوا. إنه يقدر على تخليصك إن كنت أنت تريد ذلك. فسلم مشيئتك لله. سلمها الآن وكن في سلام «تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ» (مزمور 5:4). والذين يضعون ثقتهم فيه لا يخزون.

تذكروا أن تجارب محرقة ستأتي عليكم. لكن لا داعي للخوف. فالمسيح يصلي من أجلكم. وهو يقول لكم كما قال لبطرس: «الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ» (لوقا 31:22 و32). يا له من ضمان لأولئك الذين يضعون إيمانهم في المسيح. عندما يكون المسيح إلى جانبنا يكون النصر حليفنا. فهو قوتنا ويقيننا.