العودة الى الصفحة السابقة
لماذا احبنا الله

لماذا احبنا الله

جون نور


عندما قال الرسول بولس: «لكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 8:5) وضع أمامنا المحبة في إطار العمل. إن إعلان الله لنفسه ولمحبته إلى إنسان شقي ليس مجرد كلام. لم يكن ذلك خطاباً بليغاً. فهو قد بين محبته لنا بصورة عملية بعمل عجيب، عمل لن نفهمه على حقيقته حتى في الأبدية نفسها. لقد بين محبته لنا في أنه «ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا».

لقد عصى الإنسان الخاطئ خالقه. والله يعاقب الخطية. فقد قال: «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا (شجرة معرفة الخير والشر) مَوْتًا تَمُوتُ» (تكوين 17:2). فلم يكن باستطاعة الله أن يتراجع عما فاه به. والطريقة الوحيدة الممكنة لخلاص الإنسان من العقاب هي أن يتألم شخص آخر عنه ويقدم الفدية من أجله، فمن يكون ذلك الشخص؟

نستطيع أن نتصور أنه حدث صمت رهيب بين أجناد الملائكة إذ بدأوا يدركون هول الخطية. لكن من الصعب جداً أن نتصور أن أياً من الملائكة راوده فكر بأن أقنوماً من أقانيم الثالوث الأقدس الثلاثة سيتخذ لنفسه هيئة بشرية ويموت من أجل الإنسان الساقط. لكن هذا هو ما حدث. لقد تجلت محبة الآب في أن يترك المسيح السماء وينزل إلى الأرض ليعلن الله الآب للإنسان الساقط.

وإذ صار المسيح إنساناً أخلى نفسه من كل أمجاد الألوهية ليصبح طفلاً مولوداً في مذود بيت لحم من أجلك ومن أجلي.

من الناحية البشرية ليس هنالك من سبب منطقي معقول من أجله يتوجب على الله أن يحبك ويحبني. فالإنسان الخاطئ لا يملك شيئاً يقدمه إلى الله. فما يدعى بر الإنسان أو صلاحه هو أشبه ما يكون بخرق بالية قذرة. ليس لنا ما يمكن أن نفاخر به، لا شيء يمكننا أن نعرضه وسط الجموع السماوية. لماذا يجب إذن على الله أن يحب الإنسان؟

من الغريب أن محبة الله لا تقبل على نطاق عالمي. فلو كان الأمر عكس ذلك لحدثت تغييرات عظيمة للخير في كل مكان. وحتى بين من يحملون اسم المسيح يوجد بعض الأشخاص الذين ينظرون إلى محبة الله على أنها غير حقيقية. وبدلاً من أن يستجيبوا بحرارة إلى هذه المحبة التي لا توصف يظهر العديد من الناس عدم مبالاة يبلغ حد الضجر.

عزيزي المستمع اقوى من الموت، أعلى من السماء، أوسع من البحر، وأعمق من الكون سيكون تأثير محبة الله عليك إذا سمحت لها بذلك. إنها القوة الوحيدة التي يمكن أن تؤهلك لدخول السماء. فإذا كنت تحاول أن تكون صالحاً فأنت تجاهد عبثاً لأن العدو يعرف جميع الاشراك، وهو قد أعدها بنفسه لإسقاطك فيها. إنه يعرف كل الحواجز. وهو قد صنعها.

هل نسمح لمحبة الله أن تجعلنا متواضعين بحق؟ أم أن الكبرياء ما زالت العامل المسيطر في حياتنا؟

«ربما يحتاج بناء أخلاقكم إلى عمل كثير لأنكم تشبهون حجراً غير مصقول ينبغي تسويته وصقله قبلما يمكنه أن يشغل مكاناً في هيكل الله - فلا تستغربوا إن كان الله يستخدم مطرقته وإزميله لكي يقطع الزوايا الخشنة في صفاتكم إلى أن تكونوا معدين لشغل المكان الذي عيَّنه لكم. ولا يمكن لكائن بشري أن يقوم بهذا العمل. ولكن الله هو وحده الذي يستطيع أن يفعل هذا. وتأكدوا أنه لن يضرب ضربة خائبة. وكل ضربة يوجهها إلينا إنما مبعثها المحبة لأجل سعادتكم الأبدية. إنه يعرف ضعفاتكم وهو يحاول أن يشفي لا أن يهلك».

فقط محبة الله تستطيع أن تغير صفاتكم وتشكلها للحياة الآتية. فبقبول محبة الله بالتمام في حياتكم تعجلون في العمل الاعدادي لتأهيل صفاتكم للسماء بكل نقائصنا، في (متّى 20:12) يقتبس المخلص قول النبي إشعياء عن المسيح: «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ».

ما هو الشيء الأضعف من القصبة المرضوضة المسحوقة؟ ما هو الشيء الأكثر تقلباً من الفتيلة المشتعلة المرتعشة التي ستنطفئ في أية لحظة؟ تصور قصبة نامية في مستنقع وهي مرضوضة. من الصعب جداً أن نتصور شيئاً أضعف أو أوهى منها. تصور الفتيلة المدخنة. هبَّة ريح أو نقطة ماء واحدة وتطفئها.

قدم المسيح لنا هذه الأمثلة حتى يظهر لنا محبة الآب الحانية على أولاده. هناك العديد منهم ممن هم كقصبة مرضوضة أو فتيلة مدخنة. صحيح أن هناك القليل من أولاد الله الشجعان الأقوياء الإيمان ونحن نعجب حين نقرأ عنهم. ونتوق إلى السير على خطاهم. لكن كثيرين منا ضعفاء وعلى وشك السقوط فننسى أنهم هم أيضاً بحاجة إلى عون الله.

يريد الله من جميع أولاده أن يكونوا أقوياء في قوة محبته لأن المحبة قوة دافعة. «المحبة قوة». «لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (2تيموثاوس 7:1). ليس هناك شيء لا تستطيع المحبة أن تواجهه.

إذ تمتلك محبة الله القلب تجلب معها إيماناً أعظم. والاثنان يمنحاننا قوة للتغلب على ضعفاتنا ومخاوفنا. هذه المحبة تشجعنا على التغلب على العالم والجسد والشر كما تمدنا بالقوة لعمل مشيئة الآب.

إن محبة أعظم لقوة أعظم هي حاجة العالم اليوم. فعن طريق محبتنا لله ولاخوتنا البشر نحصل على قوة من الروح القدس لنشهد لمحبة الله في عالم عديم المحبة، وعن طريق هذه القوة الدافعة للشهادة ينجذب الآخرون إليه.