العودة الى الصفحة السابقة
وقت الحصاد

وقت الحصاد

جون نور


ملايين الناس حول العالم اليوم بكل نشاطاتهم ومشاكلهم، بمبادئهم المتطرفة، بميلهم إلى الاقتتال والإرهاب، بعقدهم النفسية وسياساتهم القائمة على القوة، بشهواتهم الجامحة ودياناتهم الاسمية وضغائنهم المهتاجة، وعواطفهم المنحرفة، بفقرهم المدقع وثرواتهم الفاحشة كل هؤلاء يعيشون في نهاية الزمن. هذه البشرية باختراعاتها التي تبهر العقول وجهلها الروحي العميق، بدنيويتها، ووثنيتها، وصورة تقواها، وأكلها وشربها، هذه البشرية تقر وتعترف بهذه الحقيقة. وقد أشارت النبوة إلى أن هذا الجيل هو الجيل الأخير من تاريخ العالم وإن النبوات الإلهية لا بد أن تتم.

يبدو أن الناس غافلون عن حقيقة كون مصائرهم، ذلك أن الإله الطويل الأناة قد أبقى على حياتهم وأعانهم بنعمته العجيبة كما أنه يحبهم بمحبة لا يعبر عنها كما تقول كلمة الله «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ. وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بطرس 9:3 و10).

إذن لماذا تأخر المسيح: «لكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هذَا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ: أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. للاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2بطرس 8:3 و9).

يتأخر المسيح لأنه عندما يأتي لن يكون هنالك مجال للتوبة والاستعداد. وكل نفس غير مستعدة ستتلهف في طلب فرصة أخرى. والكل سيرغبون في أن يكونوا مستعدين عندئذ. على لوحة معلقة بجانب كنيسة في مدينة غربية كبيرة قرأت العبارة التالية: «توبوا الآن وتجنبوا الازدحام يوم الدينونة». فكل واحد منا سيتوب إما الآن أو بعد الآن، والمسألة هي مسألة وقت. واليوم نتبرر بالإيمان بالمسيح. والمأساة التي ستحصل هي أنه عندما يأتي المسيح ثانية سيطلب الناس التبرير بدافع الخوف. إن الخوف لا الإيمان سيدفعهم لأن يصلوا معاً بطريقة هستيرية. عندئذ سيكون الأوان قد فات وسيكون القرار قد صدر من العرش: «مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ... وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ» (رؤيا 11:22).

إن شروراً جديدة ستميز جيل الدينونة. فانحطاط الأخلاق سيقضي على الأمم كالسرطان. والأرض نفسها ستتدنس تحت سكانها. وسيتبع الناس الأرواح المضللة ومبادئ الشيطان وكثيرون سيبتعدون عن الإيمان. هذه نبوة إنذار خاصة للمؤمنين. فمثل هؤلاء سيتركون الإيمان لأنهم فسدوا بالفلسفة والخداع الباطل وتأثروا بحركات مختلفة واعتادوا على الكسل واللامبالاة. هؤلاء لسان حالهم يقول: «ربي يبطئ قدومه».

اعزائي المستمعين المسيحية إيمان عملي، إنها فريدة عجيبة، لأنها حية كارزة ناشطة وقوة ثائرة. إنها تدخل إلى أحياء الفقراء والأدغال كما إلى ضواحي المدن. إنها تحسن إلى الأقلية كما إلى الأكثرية. غايتها أن تخلص. كما لا تستريح حتى يقبل آخر إنسان المسيح مخلصاً له.

في أيام نوح لم يلاحظ الناس أية أحداث مروعة تخبرهم بأنهم مقبلون على الهلاك، فحتى دخول الوحوش إلى الفلك عزوه إلى ظواهر أخرى، إن خداع الخطية مدهش! وإذا لم يؤمن الناس بالله فإنهم سيؤمنون بشيء غريب. ظل الناس على حالهم في أيام نوح. وكانت الشمس رحومة ولطيفة. ولم تكن هنالك رعود سوى أقوال الناس الفاسدة. ولم تكن هنالك بروق سوى نيران خطبهم اللاذعة. لم تكن هنالك دمدمات عنيفة سوى دمدمات قلوبهم المتقسية. أصوات الموسيقى كانت تصدح والضحك كان يتعالى. وباب الفلك أغلق من دون أن يسمع أحد صوته. ثم مضت سبعة أيام سبعة أيام عادية لم يكن فيها زواج أو طلاق أو حفلات مجون وعربدة. الجميع توجهوا إلى أعمالهم كعادتهم حتى ذلك اليوم الأخير عندما علت السحب السوداء القاتمة قبة السماء وقصفت الرعود وتفجرت ينابيع الأرض. وأبرقت السماء مؤذنة بهطول المطر وتدفقت المياه في حمو غضب الرب. لقد كان ذلك يوم المنتهى. لكنه بدأ كيوم اعتيادي.

«هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ» (متّى 24: 27). إن كلمة الرب صادقة، ونبواته أكيدة وهي ستتم في حينها. وفي اليوم الأخير سيقوم الناس بعملهم كالمعتاد. السفن العظيمة تمخر عباب اليم. الستائر ترفع في المسارح واللصوص يسطون على المساكن الآمنة. الأمهات سيرسلن أولادهن إلى المدارس. الموسيقى ستصدح. التجارة تزدهر! وفجأة ينتهي زمن النعمة فيمسك المسيح منجله ويبدأ بالحصاد. وسينفصل الزوان عن الحنطة إلى الأبد. وتقول كلمة الرب: «اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى، تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى» (متى 41:24).

لقد خرج التلاميذ الأولون ليكرزوا بالكلمة فأظهروا المسيح في حياتهم... إن هؤلاء التلاميذ أعدوا أنفسهم لعملهم. وقد اجتمعوا معاً قبل يوم الخمسين وطرحوا عنهم كل الخلافات. كانوا جميعهم معاً بنفس واحدة وكانوا يؤمنون بوعد المسيح بإعطائهم البركة فصلوا بإيمان. إنهم لم يطلبوا البركة لأنفسهم فقط، فلقد كانوا مثقلين بحمل عظيم لخلاص النفوس. كان ينبغي أن يحمل الإنجيل إلى أقصى الأرض وقد طلب التلاميذ الحصول على القوة التي وعدهم المسيح بها. وهكذا انسكب عليهم الروح القدس وآمن ألوف الناس في يوم واحد.

هذه هي رسالة الحصاد. أنها مسألة شخصية. فليست الكنيسة ككل أو العالم كجماعة سيخلصون، بل الناس يخلصون فرداً فرداً.

أنتم جزء من الحصاد. فهل انطبعت فيكم صفات المسيح؟

أنتم لكم دوركم في الحصاد فهل أديتم ذلك الدور؟

إن أجوبتكم عن مثل هذه الأسئلة هي التي ستقرر سرعة مجيء المسيح فهل انتم مستعدون.