العودة الى الصفحة السابقة
مصدر القوة الروحية

مصدر القوة الروحية

جون نور


كانت كلمات يسوع الأخيرة لتلاميذه فيما هو يهم بالصعود للسماء «أَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ» (لوقا 49:24). أي أن يبقوا هناك حتى يحدث شيء عجيب - فقد كانوا سيحصلون على قوة خاصة من الأعالي.

وإذ تطلع المسيح إلى المستقبل عرف جيداً الاختبارات والامتحانات والتجارب التي سيمر بها أولئك الذين سيتبعونه في الأيام العصيبة القادمة. فقد أمرهم أن يعلنوا رسالة تقدم الخلاص للناس أينما وجدوا. ذلك أن السيد المسيح فهم بوضوح ضعفات الأشخاص الذين دعاهم ليعيشوا حياته ويكرزوا بكلمته.

وإذ علم أن تلاميذه بحاجة ماسة إلى العون في تتميم مأموريتهم فقد أشار عليهم أولاً بالذهاب إلى أورشليم والبقاء فيها حتى حصولهم على العون المطلوب. كان عليهم أن «يقيموا» - لا أن يكرزوا بالكلمة حتى يحصلوا على قوة من الأعالي.

في إرشادات المسيح لتلاميذه قبل ألفي سنة درس لشعب الله المقيم على أعتاب العالم الأبدي. فقوة الروح القدس في يومنا ضرورية للكرازة الفاعلة كما كانت في أيامهم. وهذه القوة ليست من «الكماليات الروحية»، بل هي المطلب الإلهي للنجاح. إنها ليست شيئاً نستطيع أن نأخذه أو نتركه. إنها ضرورة مطلقة. فبالنسبة للتلاميذ كانت إما «يوم الخمسين» أو الفشل. وبالنسبة للكنيسة الباقية هي أيضاً يوم خمسين آخر أو فشل مع العلم بأننا الآن ننتظر المطر المتأخر.

ان الرغبة في حياة أفضل مولودة في القلب البشري وهي عمل الروح القدس. فالابن الضال اقتنع بحاجته إلى شيء أفضل. ففي مكان بعيد عن بيت أبيه وسط الخنازير وقشور الخرنوب والجوع همس صوت في قلبه. فذكره بالبيت والسعادة والأمان فغمر نفسه اشتياق أعمق إلى شيء أفضل. يقول الوحي: «فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ» (لوقا 15: 17).

إن صوت الروح القدس هو الذي حث الابن الضال على سير أول خطوة في طريق الرجوع إلى بيت أبيه «أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي» (لوقا 15: 18). وهكذا اتخذ القرار وسار الخطوة التي قادت إلى مصالحة مجيدة وتجديد كامل.

ما عمله الروح القدس للابن الضال يعمله اليوم أيضاً للشبان والشابات، الصبيان والبنات والأحداث. فهو ما زال واسطة التبكيت والمصالحة والتوبة «وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ» (يوحنا 8:16).

والروح القدس ما زال يحثنا على الاعتراف بخطايانا لله وبأخطائنا لبعضنا البعض. فعلينا أن نتصالح مع الله ومع اخوتنا البشر. فإذا بدا أن علاقاتنا أفضل مع جيراننا مما هي مع أفراد أسرتنا فلا بد أن يكون شيء ما ناقصاً في ديانتنا. فربما أن الروح القدس لم يمتلكنا بعد.

كما أن الروح القدس هو الواسطة المعطاة من الله لاجتذابنا إلى المسيح، وكما أنه هو الواسطة التي تتمم اختبار الولادة الجديدة في حياتنا، فإنه أيضاً يمنحنا القوة الأساسية الضرورية لحياة النصرة على الخطية والعالم. كما أنه يساعدنا في مرحلة النضوج الروحي المتكامل.

يلعب الروح القدس دوراً مهماً في حياتنا المصلية. وهذا الدور بالغ في أهميته بالنسبة لنا كي نبلغ النضوج الروحي الذي نتوق إليه والذي يتمناه الله لنا. في رسالة رومية 26:8 - 27. تقول الاية: «كَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ».

لربما مر بك عزيزي المستمع وقت كنت فيه منهوك القوى وروحك محطمة بائسة من جراء روح العصيان الذي سمم حياتك، فلم تشعر إذ ذاك بالميل إلى الصلاة. ولربما شعوراً منك بالواجب جثوت على ركبتيك وحاولت أن تصلي. هناك وفيما أنت ساجد أمام الرب انزاحت أثقال حياتك بصورة مفاجئة. فحل السلام في قلبك ووجدت نفسك متناغماً مع خالقك. فالذي حدث قد تم بواسطة الروح القدس الذي أعدك للتكلم مع الله.

وبعد ذلك وإذ خرجت الكلمات المتلعثمة المترددة من بين شفتيك حوَّلها الروح القدس إلى لغة السماء. وهكذا فإن الروح القدس يعيننا في مشاكلنا اليومية وصلواتنا. فيا له من اختبار ثمين - قوة الروح القدس العاملة في حياتنا!

عزيزي المستمع هل تود رؤية المسيح آتياً عما قريب؟ إذن يا صديقي عليك أن تحضر نفسك لقبول روحه. إن التأثير المنعش لهذه القوة التي هي من فوق في حياتك وحياة جميع أولاد الله حول العالم سوف يولد قوة روحية كافية لإنجاز العمل المعين لنا من الله. وهي كما ذكرنا في البداية إما يوم الخمسين أو الفشل!

النتيجة لن تكون فشلاً! لان الله لم يدع الكنيسة إلى الفشل. بل دعاها إلى النجاح في عصرنا! لكنه لا يمكن أن يكون نجاحاً يشمل العالم بأسره إذا لم يكن نجاحاً شخصياً في حياة الفرد - في قلبك وفكرك. فحياتنا يجب أن تكون مقراً لإقامة الروح القدس. وعندها فقط يقدر الله أن يستعملنا كما يجب وكما يرغب.

رغبتي الحارة هي أن يقترب الله من شعبه بروحه. رغبتي أن الروح القدس يمنح التوبة لشعبه وبالتالي يضرم نار الانتعاش فتتحول إلى إصلاح مجيد يولد قوة لإنجاز العمل في المستقبل القريب.

إخوتي وأخواتي هلا استجبتم لهذا النداء الحار؟ هلا فتحتم قلوبكم ودعوتم المسيح ليأتي في كل ملئه ليطهركم من الخطية؟ هلا ضممتم أصواتكم إلى أصوات إخوتكم وأخواتكم حول العالم في الصلاة إلى الله كي يغمر حياة كل واحد منا بروحه القدوس ويعدنا الآن لمجيء ابنه عما قريب. لنصلي من كل القلب من أجل ذلك.