العودة الى الصفحة السابقة
وادي البكاء ووادي البركة

وادي البكاء ووادي البركة

جون نور


مزمور 84 ع 5 – 6

«طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ»

«عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا».

المزمور 23 أكثر المزامير شهرة وتعزية.

والمزمور 103 أكثر المزامير سروراً وبهجة.

ولكن المزمور 84 أكثرها جمالاً وعذوبة، هذا المزمور كان يرتله السائحين والحجاج إلى مدينة أورشليم.

لذا فناظم هذا المزمور متصوف من الدرجة الأولى. يرى في العبادة سمواً إلى الأعالي وتحليقاً إلى أجواء السماء وغذاء روحياً تتقوى به النفوس وتنتعش فنرى المرنم يتغزل بمحاسن بيت الرب وهو لا يكتفي بأن يطوب الساكنين في بيت الرب. بل يطوب المعتزين ببيت الرب الذين يفتخرون بدينهم ويعتزون بإيمانهم أولئك الذين يعيشون بديانة قلبية لا ظاهرية.

فهو يتمنى القدوم إلى بيت الرب، ليس بطريق المراسيم الخارجية بل بطريق القلب والعبادة الحقيقية. هؤلاء وهم في سفرتهم إلى ديار الرب يجعلون من وادي البكاء نبعاً للفرح والهناء وسبيلاً للتعزية. وبدلاً من أن يملأوه بالدموع يحولونه إلى ينبوع وهم في سفرة الحياة يشاهدون بركات الله فيتحول ضعفهم إلى قوة وتعبهم إلى راحة.

فتكون هذه السفرة إلى بيت الله لرؤية الله سفرة انتصار وغلبة، سفرة انتصار على ظروف الحياة الصعبة، وظروفها المعاكسة. عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً.

فمهما كانت الأرض قاحلة، جدباء، يستطيع القلب المؤمن أن يحولها إلى ينبوع يستقي منه البشر ماء للتعزية، طوبى لأناس في قلوبهم روح الله، الذين وهم عابرون وادي الشقاء والعناء والبكاء يحولونه إلى ينابيع بركات وصفاء وهناء.

معنى هذه العبارة أنه بإمكان الإنسان الذي يسير مع الله في هذه الحياة أن يحول الاختبارات المرة إلى اختبارات حلوة إلى ينابيع عذبة.

البعض منا عبروا طريق الاختبارات المرة هذه بدون الله فخسروا إيمانهم بالله وخسروا الرجاء بمستقبل أبدي، ودفنوا آمالهم البراقة في قبور فشلهم.

إن كل مؤمن وهو عابر وادي البكاء لا يصيره ينبوعاً لا يعرف معنى الحياة.

كل مؤمن وهو سائر في طريق الحياة الوعرة لا يسيطر على الظروف المعاكسة ولا يجعلها بركة له لم يدرك بعد القصد من الحياة.

طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء – يصيرونه ينبوعاً.

وكيف نصير وادي البكاء ينبوعاً:

1- السر هو في الإيمان الحي بالله:

وهذا هو الذي يغلب العالم – إيماننا الإيمان هو القوة التي تتغلب على الظروف وتسيطر على أحوال الحياة.

الإيمان هو انتصار الروح على العالم المادي لأنه متى سار الإنسان في طريق الإيمان وثبت قلبه في الله فلن يستطع شيء أن يقف أمامه لذلك قال المسيح: «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ» (متّى 20:17).الجبال مهما علت وعظمت وقويت لا تستطيع أن تغلق الطريق أمام المؤمن بالله المتوجه نحو الله إذ يجب أن تكون لنا في الحياة نظرة روحية. وهي أن ننظر إلى الحياة بعين الإيمان.

أما إذا كنا نعيش هذه الحياة لتنعم الذات والتمتع باللذات، إذ لم يكن للحياة معنى سوى سعادة نفسنا ونجاحنا، وجمع الأموال، فستكون طريق الحياة وادياً للدموع، ذلك لأنه توجد أمور كثيرة لا يمكن للمادة أن تشتريها.

وماذا يفعل المال في وقت المرض الشديد إلا نعرف كثيرين من الذين أنعم الله عليهم بالثروة حين وقعوا في مرض مستعصي وصرفوا أموالاً طائلة من المال ليشتروا بها صحتهم وحياتهم ولكنهم فشلوا.

أما السر الثاني:

2- أن نجاهد حتى نكتشف الينابيع المدفونة في وادي البكاء:

الينابيع موجودة في كل مكان وعلينا أن نفتش ونحفر عميقاً، وسنرى المياه العذبة تتدفق من صحراء الحياة.

رسالة الله لنا في هذه الأيام هي أنه متى أصابتنا حالات الحزن والمرارة والمقاومات، لنثق أنه توجد تحتها ينابيع تحمل معها بركة لنا، فلنفتش ونحفر حتى نكتشفها.

هناك كثيرون يختاروا طريقاً لأنفسهم ويعللوا أنفسهم بالآمال الكبار ولكنهم يفشلوا، وبإمكانهم إن يسترسلوا في فشلهم ويدفنوا آمالهم وأمانيهم في وادي الخيبة والبكاء ولكنهم إن تأملوا في معنى ما مروا به وأدركوا إرادة الله من خلالها لجعلوها ينابيع عذبة.

إن فشلنا في الحياة كثيراً ما يجعلنا نتواضع أمام الله عندئذ نكون مستعدين لنتعلم من الله وأن نطيعه ونخدمه بحياة مقدسة ومكرسة.

كان هناك ثلاث صلبان نصبت على تل الجلجثة:

1- المصلوب الأول: لم يكتشف في آلامه ينابيع بركة فجعل من صليبه منبراً للشتائم والتذمر واللعنات.

2- المصلوب الثاني: أكتشف في آلامه ينابيع بركة فحول صليبه إلى منبر للندامة والتوبة.

3- المصلوب الثالث: حول صليبه إلى ينابيع من بركات الخلاص إلى ينابيع تدفقت وفاضت وغمرت الكون بخيرات الأرض وبركات السماء.

فلقد لمس المرارة وحولها إلى عذوبة.

لمس المجدلية الدنسة فحولها إلى قديسة.

ولمس سمعان الضعيف فحوله إلى بطرس الصخرة.

لمس خشبة الصليب الملعونة فحولها إلى علامة فخر للمسيحية وللمسيحيين، به يزين الملك والناس صدورهم.

لمس القبر المظلم المرعب فانتصر عليه أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية، شكراً لله الذي يعطينا الغلبة برينا يسوع المسيح.