العودة الى الصفحة السابقة
فجر المجد

فجر المجد

جون نور


«قَدْ قَامَ» (متّى 7:28)

كانت حالة جميع تلاميذ المسيح قبل فجر القيامة حالة الشك واليأس ، فقد سادت عليهم ظلمة اليأس، وامتلكهم شعور جارف بالضياع والفشل. فكان سمعان بطرس يقاسي الأمرين من الحزن المفرط بسبب نقده لمعلمه، وتأنيب الضمير بسبب إنكاره لسيده. وكان تلميذا عمواس يمشيان عابسين يتحدثان عن الأمور المحزنة التي حدثت في تلك الأيام والتي كانت سبباً في فقدانهم لكل رجاء. ومع مطلع الخيوط الأولى للفجر كانت مريم المجدلية تسرع إلى القبر ومعها الحنوط والاطياب لتدهن بها جسد يسوع، وعلى طول الطريق كانت الدموع تنهمر على وجنتيها بغزارة، ولعلها كانت تود أن تغسل بها جزءاً ولو يسيراً من الظلام الدامس الذي يخيم على روحها اليائسة ولكن هيهات.

وفجأة سمع الجميع صوت هاتف يصيح قائلاً: «قَدْ قَامَ»!!!

لقد تزلزل القبر، وتدحرج الحجر، وقام يسوع منتصراً على الموت، ناقضاً أوجاعه، كاسراً شوكته. فانمحى اليأس، وانتهى الفشل، وانقشع الظلام، وحل بدل هذه الأمور كلها نور عجيب أضاء القلوب.

قبل ذلك الفجر المجيد كان التلاميذ فريسة للشك، وإذا بقيامة الفادي تضع حداً لشكوكهم ومخاوفهم، وتزيل الضباب الكثيف الذي كان يخيم على أذهانهم كلما فكروا في حقيقة شخصية رب المجد. فقد كان في القيامة الإعلان القوي عن بنوية المسيح لله، فاق كل الإعلانات النبوية، وترك في نفوس التلاميذ تأثيراً أقوى من كل تأثيرات المعجزات التي أجراها المسيح مجتمعة.

فقد صارت حقيقة القيامة أساساً لإيمان التلاميذ، وموضوعاً للبشارة المفرحة التي حملوها إلى كل أركان الأرض. فكما انتصر الرب على القبر، وبسلطانه أبطل سلطان الموت، فلا بد أنه يستطيع أن ينتصر على كل القبور، وأن يغلب كل أنواع الموت، موت الجسد والنفس والروح. ففي المسيح يستطيع كل إنسان أن يقوم من قبر خطاياه، وبدلاً من الموت الروحي يتمتع بالحياة المجيدة المنتصرة «حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ» (رومية 4:6 و5).

في القيامة قوة محيية تكفي لإقامة كل الموتى بالخطية في كل أنحاء الأرض في جميع العصور والأجيال. هذا هو الحق الإلهي الواضح الذي يعلنه الله يومياً بواسطة النفوس التي تنتقل من موت الخطية إلى الحياة المباركة المجيدة مع شخص الرب يسوع.

ألا ليتنا نتأمل على الدوام في النفوس التي تخلص من حولنا، فهذا يجعلنا نحيا باستمرار في روح القيامة وقوتها، فتنتعش صلواتنا، وتتعمق شركتنا، ويتقوى إيماننا، ويلمع رجاؤنا. بل ليت قوة القيامة تفيض على عواطفنا الباردة فتلهبها، وعلى ضمائرنا الميتة فتحييها، وعلى عقولنا الجامدة فتحركها، وعلى قلوبنا المتحجرة فتلينها، فحيث توجد القيامة توجد الحياة بكل مظاهرها، «لإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا 25:5).

عندما وضع يسوع في القبر خُيل للتلاميذ أن الحق قد هزم وأن الشر قد ساد وانتصر، لكن في فجر القيامة استعاد الحق نصرته وسيادته. فوسط ضحكات العدو وصخبه وفرحته المزيفة بالنصر، قام ابن الله فأسكت هذه الضحكات إلى الأبد وأعلن نصرة الحق على قوات الشر والشرير. كل قوات الجحيم لم تستطع أن تمسك يسوع وتبقيه داخل القبر، الحجر والأختام والحراس لم تكن إلا وسيلة أعلنت مدى قوته وسلطانه على الموت، وهكذا الحق أيضاً، فإن كل قوة الشر لا تستطيع أن تقيده.

في وقت ما ظن البعض أن الحق قد هزم، لكن سرعان ما أتى فجر القيامة فأعاد الأمور إلى نصابها. هكذا الحال في أيامنا هذه، فقد يصلب الناس الحق، ويدفنوه في القبر، ويضعوا عليه الحجر والأختام والحراس، لكن لا بد وأن يأتي الوقت الذي يعلن فيه الحق بكل قوة وسلطان، فيدين كل أعمال شر الإنسان، لذلك نجد الرسول بولس في ختام إصحاحه المبارك عن القيامة يوجه هذه الكلمات المشجعة إلى أهل كورنثوس قائلاً: «إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (1كورنثوس 58:15). وهو بهذا يود أن يؤكد لنا أنه كما أن كل قوى العالم والشر لم تستطع أن تبقي إلهنا في القبر هكذا فإن هذه القوى ذاتها لن تستطيع يوماً ما أن تعيق نجاح خدمتنا أو أن تعطل تقدم عمل الرب بواسطتنا. لذلك لنستمر في الحق، وننادي بالحق، ونشهد للحق، عالمين أن تعبنا ليس باطلاً في الرب.

ليتنا نصرخ كلنا مع الرسول بولس: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ...» (فيلبي 3: 10) آمين.