العودة الى الصفحة السابقة
قيمة المال في نظر المسيح

قيمة المال في نظر المسيح

جون نور


من ألزم الأمور، في كل نواحي حياتنا الروحية، وفي دراستنا للكتاب المقدس، أن نعرف فكر المسيح، ونفكر كما فكر هو، ونحس كما أحس هو. ليس هناك أمر يخصنا، وليس هناك شأن واحد أمامنا دون أن نجد في كلمات المسيح ما يكفي لإرشادنا ومعونتنا.

واليوم نريد أن نعرف فكر المسيح عن المال، أن نعرف تماماً كيف كان يفكر، وعندئذ نفكر ونتصرف كما كان يفعل. ليست هذه مهمة هيّنة، فنحن واقعون تحت تأثير العالم المحيط بنا، لذلك يخشى أن يعتبر تمثلنا بتفكير المسيح وتصرفاته في هذه الناحية أمر غير عملي. لذلك يجب أن لا نخاف، وكل ما هو مطلوب منك هو أن تكون أميناً لهذه الفكرة: إنني أريد أن يعلمني المسيح كيف أقتني المال، وكيف أنفقه؟

تطلع إليه وهو جالس تجاه الخزانة يراقب الناس وهم يقدمون عطاياهم.

كان هناك «أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيرًا» (مرقس 12: 41)، لكنهم «مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا» (مرقس 12: 44). لم تكن هنالك تضحية حقيقية، فقد ظلت حياتهم مليئة ومستريحة كما كانوا قبلاً، والذي ألقوه في الخزانة لم يكلفهم شيئاً. وهم لم يلقوا بسبب أي باعث من محبة الله أو الولاء له، لكنهم كانوا مدفوعين بتأدية واجب اعتادوه.

وكانت هنالك ارملة قد «أَلْقَتْ فَلْسَيْنِ» (مرقس 12: 42)، ويقول الكتاب «فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مرقس 12: 44). لقد أعطت لله كل شيء بدون تحفظ، أعطت كل ما تملك دون أن تحتفظ لنفسها بأي شيء.

ما أعظم الفرق بين مقاييسنا ومقاييس المسيح! فنحن نسأل: ما هو مقدار ما دفعه ذلك الإنسان، والمسيح يسأل ما هو مقدار ما يحتفظ به ذلك الإنسان لنفسه.

نحن نتطلع إلى العطية، والمسيح يسأل عما إذا كانت هناك أية تضحية في العطية.

الأرملة لم تحتفظ لنفسها بأي شيء، بل أعطت كل شيء. والعطية نالت عطف قلب المسيح ومصادقته عليها، لأنها أعطت بروح تضحية المسيح بنفسه، «فإِنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ» (2كورنثوس 9:8). الأغنياء ألقوا كثيراً من فضلتهم، أما هي فإنها من إعوازها وفقرها ألقت كل ما عندها.

وهذا يعلمنا:

(1) إن تقديم المال واسطة عظيمة من وسائط النعمة

لقد دعا المسيح تلاميذه ليحدثهم عن العطاء الذي رآه هناك. وكان قصده أن يعلمهم، ويعلمنا، كيف نعطي وان كل عطية نقدمها لله مقترنة بالمحبة، تساعدنا على الاحتفاظ بحياة الإيمان. وعندئذ نتطلع إلى الأشياء في نور الله. ونحكم عليها في نور الأبدية. وتصير الأموال التي تصل إلى أيدينا، وتكرس لله، كتدريب يومي في الإيمان والاهتمام بالسماء والسماويات.

إن تقديم المال قد يصير لك من أعظم وسائط النعمة، وشركة مستمرة مع الله إذ تسلم له من جديد كل ما تملك، وبرهاناً على رغبة قلبك في السلوك أمامه بروح إنكار الذات، والإيمان، والمحبة. وهذا يعلمنا أيضا ان:

(2) وتقديم المال قوة عجيبة يعمل بها الله

المسيحية ديانة عجيبة جداً. إنها تأخذ المال (وهو دعامة هذا العالم) بمحبته للذات ومطامعه وكبريائه، وتغيره لكي يكون وسيلة لخدمة الله ومجده.

لقد خلد المسيح تقدمة الأرملة الفقيرة، لأنها الآن تلمع في كل الأجيال أكثر من لمعان أجود الذهب. وهي تقدم البركة لعشرات الألوف في الدرس الذي تعلمهم إياه. إنها تقول لك أن تقدمتك، إن كانت هي كل ما تملك، وإن كانت تقدم بأمانة وإخلاص (كما يليق بجميعكم أن تقدموا للرب) تنال مصادقته، وختمه، وبركته الأبدية.

وهذا أيضا يعلمنا أن:

(3) وتقديم المال معونة دائمة لتسلق السلم إلى السماء

نحن لا نقدر أن نشتري السماء بالمال، لكنكم بتقديم أموالكم تبرهنون على تفكيركم في السماء، ومحبتكم للمسيح وللناس، واهتمامكم بعمل الله، ولذلك فإن تقديم أموالنا لله يعدنا للسماء.

آه، ما أكثر الذين تراهم مستعدين لتقديم ألوف الدنانير إن كان ممكناً شراء السماء والقداسة. لكنهما لا يمكن شراؤهما بالمال. ولكن عندما تعطي يوماً فيوماً يهبك الله من بركاته، وبقدر ما تعطي، فإن هذا يساعد على تقريب السماء إليك أكثر فأكثر، وعلى تقريبك للسماء أكثر فأكثر.

إن المسيح الذي جلس تجاه الخزانة هو مسيحي أنا. وهو يراقب عطاياي. ويقبل ما يقدم بروح التكريس الكامل وبالمحبة. ولقد علم تلاميذه أن يحكموا على الأشياء وعلى الأشخاص بنفس مقياسه. وهو يعلمني كم أعطي، وكيف أعطي بروح المحبة والإخلاص.

إنني أريده أن يعلمني، فوق كل شيء، الكثير عن المال. أريده أن يعلمني أن المال يسبب الكثير من التجارب، والخطايا، والأحزان، والخسارة الأبدية. ونحن عندما نقدم المال ونضعه عند قدمي يسوع، رب الخزانة، فإنه يصير من أعظم وسائط النعمة لنفسي وللآخرين. هنا أيضاً «يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رومية 37:8).

يا ربنا المبارك، أعطنا أجمعين، روح الأرملة الفقيرة.