العودة الى الصفحة السابقة
نعمة الله والمال

نعمة الله والمال

جون نور


«فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كورنثوس 9:8).

في رسالة كورنثوس الثانية والأصحاح الثامن مكتوب «إِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» وفي هذا الأصحاح، والأصحاحات التي تليها نجد تعليم بولس الرسول عن العطاء، وبيّن تقدير السماء لعطايانا الأرضية، وكشف عن المبادئ التي يجب أن تنشطنا عند تقديم أموالنا لخدمة الله. وتقديم الشكر الوفير والمجد لله.

ولنتأمل في هذه الحلقة بعض الدروس الرئيسية، لكي تعيننا على أن نجد الطريق الذي تصير به أموالنا واسطة وبرهاناً على نمو حياتنا الروحية.

(1) إن نعمة الله تعلمنا دواماً أن نعطي

نحن نعرف ناموس الحياة المسيحية: وهو أنه لا يمكن أن تعرف نعمة إلا بإبرازها. فلنتعلم هنا أن باستخدام أموالنا لأجل الآخرين هو إحدى الطرق التي يمكن بها التعبير عن النعمة وتقويتها فلنتعلم هذه الدروس. إن كانت نعمة الله فينا فإنها تظهر ذاتها بالعطاء. إن أردنا نعمة جديدة فلندرب ما فينا من نعمة بالعطاء. وفي كل عطايانا يجب أن نعطي ونحن شاعرون بنعمة الله التي تعمل هذا فينا.

(2) ونعمة الله تعلمنا أن نعطي بسخاء

فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم. لأنهم أعطوا حسب الطاقة. أولئك المتنصرون حديثاً من الأمم في مكدونية سمعوا بعوز اخوتهم في أورشليم، وهم أشخاص مجهولون ومحتقرون، وللحال اظهروا استعداداً ليقتسموا معهم ما عندهم. من تلقاء أنفسهم أعطوا فوق الطاقة.

مما يلاحظ أن السخاء يتوفر في الفقراء أكثر مما يتوفر في الأغنياء. لأنهم لا يتمسكون بشدة بما عندهم، بل بسهولة يتنازلون عن كل ما عندهم. فغرور الغنى لم يقسي قلوبهم. لأنهم تعلموا الاعتماد على الله لإمدادهم باحتياجات الغد. لقد اختار الفقراء في هذا العالم لكي يعطوا رغم فقرهم العميق، فيعلموا الأغنياء فضيلة السخاء.

(3) ونعمة الله تعلمنا أن نعطي بسرور

«فاض وفور فرحهم لغنى سخائهم» (ع 2) الفرح في الحياة المسيحية يعبر عن الصحة والإخلاص. وهو لا يتم في أوقات معينة، أو لمدة محدودة، بل هو الدليل الدائم على توفر التمتع بمحبة المخلص. وهو فرح يتخلل واجباتنا اليومية وأوقات التجربة. وهكذا هو يبعثنا على العطاء، ويجعل تقديمنا لأموالنا ذبيحة فرح وشكر. وإذ نعطي بسرور تصير عطيتنا نفسها ينبوع فرح جديد لنا، وشركة في فرح ذاك الذي قال: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 35:20).

ليت الناس يدركون كيف أن هذا الطريق للفرح الدائم أكيد جداً، فيدوم عطاؤهم كما يعطي الله بدون انقطاع. هذا فرح نحمله معنا طوال الحياة، وكل يوم طول اليوم، مقدمين تقدماتنا المالية بلا انقطاع، فليت قلوبنا تمتلئ بالإيمان بفرح العطاء، وعندئذ يصح القول عنا: «فاض وفور فرحهم لغنى سخائهم».

(4) ونعمة الله تجعل عطايانا جزءاً من خضوعنا لربنا

إن هذه الفكرة هي وحدها التي تستطيع أن ترفع عطايانا عن مستوى الواجبات المسيحية العادية، وتجعلها حقاً إعلان نعمة الله التي فينا، وتقويها. نحن لسنا تحت الناموس، بل تحت النعمة (رومية 14:6). ومع ذلك فإن الكثير من تقدماتنا، في المناسبات ، تقدم على سبيل العادة، دون أي اعتبار لعلاقتها بربنا.

إن الحياة المكرسة تكريساً حقيقياً هي التي تحيا في محبة الله كل لحظة. هي التي تأتي بنا إلى ما يبدو أمراً عسيراً، أي أن نعطي دواماً بالروح الصادقة، على أساس أن تقدماتنا جزء من العبادة. هذا هو الذي يجعل وفور فرحنا يزيد لغنى سخائنا.

(5) ونعمة الله هي التي تجعل عطايانا جزءاً من الحياة التي تليق بأتباع المسيح

«لَيْتَكُمْ تَزْدَادُونَ فِي هذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا. فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (ع 7 - 9).

لقد ارتضى ربنا أن يفتقر لكي يغنينا ويباركنا. وهذا هو السبب الذي لأجله سر بفلسي الأرملة، فقد وافقت عطيتها نفس المقياس الذي يقيس هو به الامور، لقد «ألقت كل ما عندها» نحن لم نكن نتوقع أن التقدمة البسيطة التي قدمها هؤلاء الناس الفقراء سوف تكون درساً رائعاً نتعلمه ولكي تكون نعمة عطايانا صدى لعطايا ربنا. وما أشد حاجتنا إلى أن نأتي بعطايانا إلى الصليب، وأن نطلب بأن يكون موت المسيح عن العالم وعن ممتلكاته قوة لنا. وعندئذ نغني الآخرين بفقرنا، وتصير حياتنا، لدرجة ما، مثل بولس الرسول الذي قال: «كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ» (2كورنثوس 6: 10).

(6) ونعمة الله تعمل فينا، ليس أن نريد فقط، بل أن نعمل أيضاً

كم من أشخاص لديهم الوسائل للدفع بسخاء، ومع ذلك يترددون، وتكون النتيجة أنهم في كل أيام حياتهم لا ينفذون الوعود التي سجلوها. وكم من أشخاص يحسبون أنفسهم أسخياء حقاً بالنظر إلى رغباتهم، أما ما يتممونه فإنه لا يتفق مع ما ينتظره الله منهم، رغم توفر الوسائل عندهم.. ألا يليق بنا أن نتوسل إليه بأن يعلن لنا بروحه القدوس أن بركة المال الوحيدة، وقيمته الوحيدة، هي أن ننفقه من أجل ربنا، ومن أجل منفعة اخوتنا في البشرية، وأن نستخدمه كأداة للنعمة، وكواسطة لتدريبها، وبهذا نحن نلقيه في الخزانة التي تبقى إلى أبد الآبدين.