العودة الى الصفحة السابقة
رؤوس الجبال

رؤوس الجبال

جون نور


عندما نقرأ في العهد القديم عن قصة الطوفان نعرف بان الطوفان بدأ حين كان نوح ابن ست مائة سنة. ونعرف من القصة المدونة في العهد القديم أن هذا الطوفان استمر عاماً كاملاً، بدأ حين كان عمر نوح ست مائة عام وانتهى لما كان عمره ست مائة وواحد من الأعوام.

ونعلم أن الله أمر نوحاً أن يبني فلكاً لأنه كان مزمعاً أن ينزل قضاءه على العالم الشرير بطوفان يغرق ويدمر. وأطاع نوح أمر الله وبنى فلكاً. كان القوم يسخرون منه أثناء بنائه الفلك وفي النهاية - وأدخل الله نوحاً وامرأته وبنيه ونساء بنيه وأدخل معهم عينات من الحيوانات، وأغلق الله الفلك عليهم ونزل الطوفان. ثم مرت الأيام وتعاقبت الليالي حالكة السواد. كان ينظر نوح من الطاقة، التي في الفلك، اليوم تلو الآخر ولكنه لم يكن يرى إلا مياهاً من حوله، الطوفان. الغمر يحيط بالفلك من كل جانب... ولا نجاة. وفي الشهر العاشر، في أول الشهر - يقول الكتاب ظهرت رؤوس الجبال. وعرف أن هذه الجبال تحدثه أن النجاة أصبحت قريبة. هذه الجبال جاءت مؤكدة لنوح أن الله محبة... جاءت هذه الجبال لكي تشجع نوحاً وأهله داخل الفلك، وتعرفهم أن الله لم ينسهم ولن ينساهم.

هذه هي رسالة الله لنا في هذه الحلقة انها رسالة الرجاء. إن كانت مياه كثيرة أحاطت بفلك حياتنا يذكرنا الله انه معنا وأن النجاة على الأبواب.

لنتأمل أولاً في المياه التي أحاطت بالفلك والتي جعلت بعضنا يتصور أن الله نسينا.

مياه الألم: أحياناً يحيط الألم بشخص، حين يفقد عزيزاً أو حين يجتاز أزمة. ويتحير المرء منا أمام هذا الألم، ترى لماذا يخصني بهذا الألم؟ وإن كان الأمر كذلك فأين محبته؟ أم أنه لا يقدر أن يرفع عني الألم؟ وإن كان الأمر كذلك فأين قدرته؟ فوقوع الألم علي يجعل فكرة أن الله لا يحبني تراودني أو أنه لا يساعدني؟ ويبدأ المرء منا في أزمة الألم - يتصور إما أن لا إله أو أنه إله لا يبالي أو أنه إله لا يستطيع.

مياه الألم أحياناً تحيط بفلك حياتنا وتوهمنا بأن الله قد نسينا.

وتوجد مياه أخرى كثيرة تغرقنا في آلامنا وأحزاننا ونتصور أن الله نسينا.

لكن الكتاب يقول وفي النهاية ظهرت رؤوس الجبال.

لكن أي جبال هذه هي التي تؤكد لنا أن الله لا يمكن أن ينسانا؟ - بل تؤكد لنا أن الله كما ذكر نوحاً يذكرنا.

1 - جبل الجلجثة: الجبل الذي يمكننا أن نراه هو جبل الجلجثة. إن راودك في وقت من الأوقات فكر يقول إن الله قد نسيك، فارفع عينيك إلى جبل الجلجثة وسوف ترى هناك ابن الله معلقاً على صليب لأجلك، وسوف يتحدث لك هذا الجبل (والمصلوب عليه) قائلاً: الذي لم يشفق على ابنه من أجلك كيف يمكنه أن ينساك؟ أيمكن أن الله المحبة الذي أحبك فضلاً... الذي أحبك وأنت في الكورة البعيدة... أيمكن أن مثل هذا الإله ينساك. إن كنت تشك أنه لا يحبك أو أنه لا يذكرك، تعال معي نلقي نظرة على جبل الجلجثة لنرى شخصاً معلقاً على صليب هناك؟ هذا هو الله الذي «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي 2: 7 و8) - لماذا؟ لأجلك ولأجلي... «هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16).

2 - جبل المواعيد والموعظة على الجبل: ذلك الجبل الذي اعتلاه المسيح وقدم من فوقه أجل وأجمل العظات، وأعظم المواعيد وأصدقها. دعونا نتأمل في بعض ما يحدثنا هذا الجبل: «لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟» (متّى 6: 25 و26). إن جبل المواعيد والموعظة على الجبل يؤكد لنا أن الله لا يمكن أن ينسانا.

في الكتاب المقدس يوجد (3300) وعد كلها صادقة. لا تخافوا وردت 365 مرة أي كل يوم في السنة يطمئننا ويشجعنا. ما أعظم هذا الوعد وهذا الإحساس.

3 - جبل الصعود: هذا الجبل هو جبل الزيتون، من على هذا الجبل صعد المسيح لا ليبتعد عنا بل ليكون الصق إلينا. صعد لا لكي يتركنا بل لكي يشفع فينا، لكي يمثلنا في المجد، ووعد قبل صعوده أنه سيأتي ثانية. قال الملاكان للتلاميذ: «مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ» (أعمال الرسل 11:1). إن كنت تشك لحظة أن الله نسيك...

ولكن كيف نرى هذه الجبال؟ هناك شروط لنرى رؤوس الجبال. ينبغي أولاً أن نكون داخل الفلك، فالذين هم خارج الفلك ماتوا تحت المياه غرقاً. والفلك يرمز إلى المسيح - فلك النجاة في العهد القديم، والمسيح في العهد الجديد. فلكي نرى جبل الرجاء والمحبة علينا أن نكون في المسيح... أن نكون قد خرجنا من دائرة العالم ودخلنا دائرة الفلك - دائرة المسيح. خارج الفلك لا نرى جبالاً، ومن داخل الفلك نستطيع أن نتطلع إلى جبل الرجاء.

والشرط الثاني لكي نرى رؤوس الجبال هو أن نكون نحن أنفسنا على الجبل.

دعونا نصعد. وقد قصد الله أن نكون في قمة الفلك فوق جبل أراراط. ومن هناك نلقي نظرة واضحة ولا نرى أحداث اليوم في ضوء أحداث الماضي وفي نور انتصار المسيح في المستقبل. دعونا نتطلع إلى جبل الجلجثة لنختار المسيح، لنتطلع إلى جبل الموعظة والمواعيد جبل الانتصار في المسيح، ولنتطلع إلى جبل العودة - عودة المسيح إلينا، جبل الانتظار لمجيء المسيح.