العودة الى الصفحة السابقة
انتظار الرب

انتظار الرب

جون نور


«وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء 31:40).

هذا وعد جميل من مواعيد الله الكثيرة، وإذا وعد الله وعداً فإنه قادر أن يحققه فينا إن كنا نقبل هذا الوعد ونؤمن به.

يقول الرب على لسان بولس: «لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ» وَفِيهِ «الآمِينُ»، لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا» (2كورنثوس 20:1).

أي أنه مهما كانت مواعيد الله عظيمة، وتبدو صعبة التحقيق، تبدو خيالية بالنسبة للبشر فإنها تتحقق في المسيح، يقول المسيح: نعم هذا الوعد لكم وأنا ضامن تحقيقه لكم. ولكن الله يطالبنا نحن بدورنا أن نقول نحن أيضاً لهذه المواعيد نعم. نستمع إلى وعد الله ونقول نعم هذا الوعد لنا في المسيح لأن لنا في المسيح النعم والآمين. وهذا الوعد الجميل وعد بحياة الانتصار: «وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ». أي في الوقت الذي يكون فيه الناس قد أعياهم التعب والمرض وهم لا يستطيعون أن يركضوا ولا حتى أن يمشوا يكون أبناء الله يحلقون في الأجواء وكأن لهم أجنحة النسور، يركضون ويجرون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون. وحدهم لهم هذه القدرة أن يغلبوا حين يهزم غيرهم، وأن ينتصروا حين يتخلف الآخرون، وأن يحلقوا حين يتوقف الناس. هذا وعد بالانتصار وسبيل الانتصار هو الانتظار، انتظار الرب، يقول «وأما منتظرو الرب» فهؤلاء هم الذين يجددون قوة، يجددون قوة وبالتالي يجددون نصرة، من قوة إلى قوة ومن إنتصار إلى إنتصار.

دعونا نرى طريق هذه القوة طريق هذه الحياة الغالبة:

أولاً: سبيلنا إلى هذه القوة الغالبة. انتظار الرب.

ليس الانتظار هو الكسل، ليس الانتظار هو أن نبقى في أماكننا بغير نشاط، ليس هو أن نكف عن كل مجهود أو عن كل عمل وأن نتوقع شيئاً قد يأتي وقد لا يأتي.

ولكن انتظار الرب يعني أيضاً الطاعة، نحن ننتظره وننتظر أوامره لكي نتممها، نحن ننتظر أن يتحدث إلينا بأي شيء فنطيعه ونتممه. انتظار الرب يعني أننا نطيع هذا الإله الذي وضع ثقته فينا. إن السبيل إلى الانتصار هو طريق الطاعة. إننا كثيراً ما نحرم أنفسنا من الغلبة في الحياة حين لا نطيع الله، حين لا نسمع لأوامره حين لا نخضع لما يطالبنا به، لأننا نطيع أنفسنا، نطيع رغباتنا أو نطيع غيرنا وننسى طاعة الله.

انتظار الرب يعني أن نعمق محبتنا له كانتظار العروس لعريسها. لأنها تحبه فإنها تبقى منتظرة. قد يطول غيابه، قد يفقد الآخرون الثقة في عودته، ولكن لأنها تحبه تنتظر عودته.

يقول داود في المزمور الأربعين العدد 1: «اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي»، أي أنه كان في انتظاره للرب يصرخ ويصلي، وسمع الرب صراخه وهو ينتظره. «اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي وَأَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلاَكِ، مِنْ طِينِ الْحَمْأَةِ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ. ثَبَّتَ خُطُوَاتِي، وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً» (مزمور 40: 1-3).

أن ننتظر الرب معناه: أن نعيش حياة الصلاة والشركة، الصلة المستمرة الدائمة مع الله.

أيها الإخوة إننا نرى وحوشاً في هذا العالم تحاربنا، وتصارعنا، وتكاد تصرعنا لأننا نعيش على بطوننا نزحف على الأرض، ولو أننا ارتقينا قمة الجبل لاستطعنا أن نرى الوحوش صغيرة ضئيلة مهزومة أمام إلهنا حين نقترب من العالم لا نتمتع بحياتنا، ولا نستطيع أن نرى الأشياء في نسبها الحقيقية، لكن حين نسمو فوق الجبل فإننا نرى الأشياء في نسبها الحقيقية، كما يراها الله.

يقول: «يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ»، هذه حياة القداسة، ومن يقرأ هذه الآية في سطحية يتصور أن ترتيب هذه المراحل في الحياة جاء ترتيباً عكسياً، لأنه إن كان الله يريد أن يظهر قوته فينا، فكان لا بد أن يبدأ من الأسهل إلى الأصعب، وأن يرينا البركة الصغرى ومن بعدها البركة الأكبر. فحين يقول يرفعون أجنحة كالنسور فإنه أرانا بركة عالية عظيمة، في الأول نحلق نطير، بعدها يتحدث عن الجري: «يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ». وبعد الجري يتحدث عن المشي: «يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ».

كانت الكنيسة الأولى ترى معجزات الله بوضوح. وسمعت رسالة بطرس في يوم الخمسين. ورأت ثلاثة آلاف يقبلون إلى المسيح بعظة واحدة. رأت الموتى يقومون والمرضى يشفون، كانت الكنيسة الأولى تحلق بأجنحة كالنسور. لكن لما مرت الايام وابتدأت خيبة الأمل، وابتدأت التجارب، والاضطهادات، وانتظارهم لمجيء المسيح لا يتحقق، والمعجزات تقل، كان من السهل على الكنيسة أن ترتد، لكن الكنيسة عرفت كيف تمشي مع الله.

نعم، جميل أن نتعلم كيف نرفع أجنحة كالنسور، لكن الأعظم والأجمل من هذا أن نتعلم كيف نمشي مع المسيح ولا نعيا، أن تتعلم كيف تكون عاملاً مسيحياً كل يوم.

أصعب خطوات الحياة هي الخطوات ما بين الأولى والأخيرة بعد أن تخمد الحماسة، وقبل أن يقوي فينا رجاء تحقيق الهدف حين تكون الحياة رتيبة متكررة مليئة بالمتاعب والمشاكل. طوبى لنا إن تعلمنا كيف نمشي ولا نعيا، نرفع أجنحة كالنسور، ونركض ولا نتعب. هذا طريق الإنتصار. هلم بنا ننتظر الرب، ولننتظره إنتظاراً آخر يعطينا ويولد فينا قوة جديدة: أن ننتظر مجيء الرب ننتظر عودته إلينا ذلك الذي قال: «وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يوحنا 14: 3). دعونا ننتظر مجيئ المسيح إلينا ثانية لإختطافنا، وهذا الإنتظار يولد فينا قوة دافعة وقوة رافعة، بها نرفع أجنحة كالنسور نركض ولا نتعب، ونمشي ولا نعيا.