العودة الى الصفحة السابقة
أولاد الطاعة

أولاد الطاعة

جون نور


«كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ» (1بطرس 14:1).

ربما نستطيع أن نضع مسميات عديدة للعصر الذي نعيش فيه. فهو عصر التقارب.. فنحن نبصر القوتين العظميين في تقارب متزايد. أو هو عصر المسكونية أو يمكن أن يطلق على هذا العصر عصر التقدم العلمي. فالشهادات العلمية والأكاديمية تفقد قيمتها بعد شهور قليلة... ولست أعلم دقة ما قرأته مرة عندما قال أحد الكتّاب أن أكثر من 95 في المائة من العلماء يعيشون في القرن الحادي والعشرين ولكنهم لا يحيون فيه.

على أنني يمكنني أن اسمي هذا العصر من وجهة أخرى عصر التمرد على كل ما هو تقليدي. إنه رفض كل صور القديم ففي البيت نبصر رفض السلطة وفي المدرسة مضى الزمن الذي كان يقال فيه قف للمعلم وفهّ التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا.. أصبح عصر التمرد على الأستاذ.. ويكفيك أن تنظر إلى اليوم الأخير في الدراسة أو بعد الامتحانات لكي نبصر العديدين، من الطلبة إن لم يكن كلهم يمزقون كتبهم إعلاناً عن التمرد!!

وفي الكنيسة أيضاً نحن نبصر صوراً كثيرة من صور التمرد.. ففي الزمان الماضي كان الراعي هو أول من يعلم واليوم الراعي هو آخر من يعلم هذا إذا علم.. القائد في الماضي كان يدين له من يقودهم بالطاعة... على أي حال من الأحوال فموضوعي ليس عن التمرد وإن كنت قد بدأت به لأنه بضدها تتميز الأشياء.. إن حديثي عن الطاعة..

وسأتحدث في نقطتين:

(1) في المسيح نحن أولاد الطاعة.

(2) في المسيح نستطيع أن نمارس حياة الطاعة.

أولاً: في المسيح أولاد الطاعة:

تقول الكلمة: «كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ». وكما يقولون إننا لا نستطيع أن نعرف قيمة الضوء إلا إذا افتقدناه فإننا لا نستطيع أن نعرف عظمة الحاضر الذي نحياه إلا عندما نلقي نظرة إلى ماضينا المظلم الذي عانينا منه. فإذا كان الكتاب يسمينا الآن أولاد الطاعة فماذا كانت تسميتنا الماضية. في أفسس 1:2 - 2 وصف لماضينا «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ». إننا قبل أن نصبح أولاد الطاعة كنا أبناء المعصية لأننا أبناء آدم كما يقول الكتاب «لأنه بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية 12:5). فنحن أبناء المعصية لأننا ولدنا فيها ونحن أبناء المعصية لأننا عشنا وسلكنا فيها.. إننا ننتمي إلى رئيس هذا العالم وليس هذا فحسب وإنما نحن أصبحنا تحت سلطة إبليس الذي يخضعنا لذاته «الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية» هذه هي صورة ماضينا ولكن ما هي صورة حاضرنا.. ما الذي يجعل الطاعة ممكنة اليوم؟ لأننا في المسيح كما يقول: «كأولاد الطاعة» لاحظوا أنه لم يقل بما إنكم أصبحتم أولاداً مطيعين كلا لكنه يقول: «أولاد الطاعة» وبما أننا كنا قبلاً أبناء المعصية بانتمائنا إلى آدم، هكذا أصبحنا نحن أبناء الطاعة بانتمائنا أصلاً إلى المسيح...

فإن كان الرب قد رفعك من إبن للمعصية إلى إبن للطاعة فإن هذا يثقلك أكثر بالمسؤولية لكي تحيا حياة الطاعة لأنها عندئذ تصبح ممكنة نحن في مرات كثيرة نتواكل على النعمة، وما أبعد الفارق بين الإتكال على الرب والتواكل على الرب فالتواكل على الرب معناه التخلي عن مسؤوليتي، والإتكال على الرب معناه تأكيد لما يمكنني أن أقوم به.

الم يقل الرب إذهب واغتسل؟ بالرغم من أنه هو الرب الشافي.. إن الرب هو الذي يعطينا إمكانية الطاعة.. ألم يقل إذهب إصطلح؟ ألم يقل خذ إبنك وحيدك الذي تحبه واصعده لي محرقة على أحد الجبال التي أريك؟ لكن ما هو السر العميق الذي جعل إبراهيم يستطيع أن ينفذ وأن يطيع انه الإيمان، فبالإيمان إبراهيم أطاع (عبرانيين 17:11) لقد كان الإيمان هو العنصر الفعال الأكيد الذي دفع إبراهيم أن يأخذ إبنه.

وكما أن للطاعة بركاتها فإن للعصيان أخطاره وكما بدأت حديثي بالتمرد يؤسفني أن أنهيه أيضاً بالتمرد والعصيان.. يقول الكتاب عن عصيان الشعب قديماً في البرية في عبرانيين 16:3. فمن هم الذين إذ سمعوا أسخطوا – أليس جميع الذي خرجوا من مصر بواسطة موسى ومن مقت أربعين سنة – أليس الذين أخطأوا الذين جثثهم سقطت في القفر ولمن أقسم لن يدخلوا راحته إلا الذين لم يطيعوا فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الإيمان. فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يرى أحد منكم أنه قد خاب منه لأننا نحن أيضاً قد بشرنا كما أولئك لكن لم تنفع كلمة الخبر أولئك إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في الذين سمعوا»، وفي العبرانيين يقول أيضاً «فإذ بقي أن قوماً يدخلونها والذين بشروا أولاً لم يدخلوا بسبب العصيان».

ليحفظنا الله من خطية التمرد والعصيان ومن الحيدان عن شريعته.. ليحفظنا الله كأولاد الطاعة مطيعين له سالكين فيه.. «كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ» (1بطرس 1: 14 و15).

ترى ما هي الخطية التي يوبخك الرب عليها؟ ما هي التوبة التي ينبغي أن تتخذها.. أذكر أن الطاعة ممكنة لأنك ابن الله وإن كنت لم تتعرف على المسيح بعد فأؤكد لك أن الطاعة للمسيح مستحيلة بالنسبة لك قبل أن تصبح ابناً للطاعة في المسيح.