العودة الى الصفحة السابقة
رسالة من السماء

رسالة من السماء

جون نور


لوقا 25:16 «فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ».

لا بد ان الكثيرين منا يعرفون من الكتاب المقدس قصة اليعازر والغني ونذكر الآية التي قالها سيدنا ابراهيم لذلك الغني:

«فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ (استوفى) الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ» لنسترجع ونتخيل هذه القصة ونضيف اليها شيئا من واقعنا الذي نعيش فيه

جلس هذا الانسان الغني في شرفة قصره الكبير يلقي نظرة متعالية على الحقول الممتدة أمامه، ويجري - في سكون - حسبة قصيرة عما يمكن أن يناله منها في نهاية المحصول. وأضاف إلى ذلك ربحه الكبير من متاجره الواسعة منذ أن ارتبط بكبار التجار... وابتسم ابتسامة الرضاء!

إنه يملك مالاً كثيراً. ويعيش عيشة راضية!! فهو لم ينهب حقوله من أصحابها الفقراء. بل ورث بعضها واشترى بعضها الآخر. هو ليس بخيلاً مقتراً!! إنه يعيش!! ويفهم الحياة على حقيقتها!! وهو متدين!!

إنه يذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد!! ويقدم عطاياه في مواعيدها! إنه شخص مبارك! وقصره قبلة الأنظار!!

إلى جانب القصر يوجد ركن صغير اعتاد الخدم أن يطرحوا فيه النفاية. وكانت خليطاً من بقايا الطعام من عظم وأدام، وأتربة وغبار وأشياء بالية. وكانت الكلاب تجتمع في ذلك الركن تبحث عن طعام، طبعاً الكلاب الضالة لا كلاب الرجل الغني!!

ولكنك إذ تحقق النظر تجد بين الكلاب، كائناً، لا يختلف عن الكلاب في شيء إلا بأنه أسوأ حالاً منها! هو إنسان! أحاله الجوع هيكلاً من عظام.

وإحاله المرض كتلة من القروح. ملأت القروح كل جسمه وكان العري واختلاف الطقس والحشرات تزيد عدد قروحه وتمنع من شفائها. وكان ألم الرجل منها لا يطاق!

إنسان! ولكن الحيوانات كانت أحسن حالاً منه!

لم يجد صديقاً واحداً بين الناس! فجاءت الكلاب وصادقته! ولحست قروحه!

لقد بلغت قسوة الرجل حداً لم تجد اللغة على بلاغتها تعبيراً عنها إلا في تلك الكلمات: «وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ» (لوقا 16: 21).

الغنى ليس شراً لا بل الغنى والمال من أكبر البركات التي يعطيها الرب للانسان. ويجب أن لا نفكر أو نظن أن هذا الانسان الغني قد ذهب الى الجحيم بسبب أمواله. بل ذهب الى هذه الدينونة لأنه أهمله وتناساه من حساباته.

ودارت الأيام دورتها العادية ومات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم!

ومات الغني أيضاً ودفن! مات المسكين ومات الغني! لم يميز الموت بين هذا وذاك. بل ساوى بينهما!!

لم يشرح الكتاب ذلك الموضوع ولم يذكر تفصيلاته. لم يدر أحد بموت لعازر! ولكن كل العالم اهتز لموت صاحب القصر! هوذا التراب يعود إلى التراب!

نرفع عيوننا فنبصر لعازر والغني، ولكننا نبصرهما في وضع غريب لم نألفه من قبل!

فهذا لعازر المسكين المضروب بالقروح يبدو لنا من خلال سحابة مضيئة إنساناً بهياً يلبس النور ويجلس في مجد وقد أسند رأسه على صدر إبراهيم وقد شعت أنوار من وجهه!!

أما الغني فقد ظهر في جسم وهو يتلوى في الهاوية!

ورفع الغني عينيه وهو في الهاوية وأبصر لعازر وهو متكئ في حضن إبراهيم. ولعله لم يصدق عينيه في أول الأمر. هل يمكن أن يكون هذا لعازر هل يمكن. لعازر البائس التعس المضروب بالقروح. لعازر الذي كان تجسداً للشقاء، هل يمكن أن يكون هو من يراه؟ نعم نعم إنه هو!

اسمعوا الغني يقول:

«يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ!» (لوقا 16: 24).

هوة عظيمة قد أثبتت بين حضن إبراهيم والهاوية حتى أن الذين يريدون العبور من هنا أو هناك إلى المكان الآخر لا يقدرون!!

ترى ماذا كانت تلك الهوة؟ ومن الذي حفرها؟ الله لم يقم تلك الهوة فإنه «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس 2: 4).

ونعتقد أن الملائكة لم يكن لهم ضلع في إقامة تلك الحفرة لأن ملائكة الله يفرحون بخاطئ واحد يتوب!!

كان عذاب الرجل شديداً وقاسياً. وإذ رأى أنه هو لن يستطيع أن يخفف شيئاً من لهيبه اتجه فكره إلى اخوته الخمسة. إنهم لا يعرفون. إنهم يظنون أن الحياة شراب ومجون. من يخبرهم يا ترى عن الهاوية وعن اللهيب؟ من ينذرهم بالمصير التعس الذي يتعرضون له إذا ساروا في طريق أخيهم؟ يا أبي إبراهيم لأنه لا يمكن أن يأتي لعازر إليّ لأن هوة قامت بينه وبيني. فأرسله إلى اخوتي الخمسة لكي لا يأتوا هم إلى مكان العذاب هذا. إن الطريق إليهم لا يزال مفتوحاً. أرسله يا أبي إبراهيم لكي يحدثهم عن أخيهم الذي يتعذب في هذا اللهيب!! أما إبراهيم فيقول، إن عندهم رسالة الله. عندهم الكتاب، موسى والأنبياء. إن الله لم يتركهم بلا شاهد. وصاح الرجل. كلا. يا أبي إبراهيم إن الكتاب لا يستطيع أن يوقظهم من سباتهم. إنهم يحتاجون إلى آية. إلى رجل يقوم من الأموات ويحدثهم عن العالم بعد الموت. إذا مضى إليهم واحد من الأموات فإنهم يتوبون. ولكن إبراهيم كان يعلم. كان يعلم أنه إذا لم تستطع (الكلمة) أن تسحق القلب وتدفع النفس إلى التوبة فلن ينفع قيام واحد من الأموات. كلا. أيها المسكين. إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا أن قام واحد من الأموات يصدقون! أيها النيام في خطاياكم اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم!