العودة الى الصفحة السابقة
طمأنينة الحياة

طمأنينة الحياة

جون نور


مزمور 27: 3 يقول صاحب المزمور: «إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ» أنا مطمئن... وإن استطعت أنت وأنا أن نقولها في هذا اليوم وفي هذه الظروف العصيبة التي يمر بها عالمنا فنحن ربما نضحك على بعضنا البعض... فمن هو الذي يقدر أن يقول هذه العبارة من أعماق قلبه؟ ننظر إلى العالم حولنا فماذا نجد، حروب.. أخبار حروب.. قتل اغتيالات انتهاكات للضمير البشري.. مقاطعات اقتصادية وعالم منشغل في تدمير نفسه ومقدراته وإمكانياته.

تأملوا معي في طبيعة هذه الحياة التي نحياها، أين السلام وأين المحبة أين الوفاء بالعهود والوعود... أين صدق الكلمة... أنا معك اليوم وغداً أعمل ضدك... أين الطمأنينة... إين الوفاق العائلي، لا بل أين الوفاق العالمي. تأملوا معي في حال هذه الدنيا وقد امتلأت حياة الناس بالرعب والهلع والخوف مما قد يأتي، لكن أقولها كلمة في هذا اليوم كونوا متأكدين من شيء واحد أن لنا الهاً في السماء لا يزال حياً وسيبقى إلى دهر الداهرين، فنحن مع المسيح نستطيع أن نرفع رؤوسنا ونضم صوتنا مع داود ونقول بثقة من أعماق قلوبنا:-

«اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا» (مزمور 27: 1 و2). لأن الله هو ضامني، لا مال.. ولا جاه.. ولا حساب.. ولا عقار يستطيع أن يضمنني ساعة واحدة إلا هو، فإن كنت خائفاً من جهة حياتك يقول لك: «أَنَا الرَّبُّ شَافِيكَ» (خروج 15: 26) – وإن كنت خائفاً من جهة طعامك فيقول لك «الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ» (مزمور 34: 10).

«كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا» (مزمور 37: 25)، ولو تأملنا في هذه الطمأنينة من ثلاث زوايا مختلفة لوجدنا أولاً أن:

أولاً: - جوهر هذه الطمأنينة، إن «الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» ممن أرتعب... من يخيفني وكأني بكاتب المزمور يتحدى ويقول... من يقدر أن يرعبني... ممن أخاف... من يقدر أن يخيفني؟ لقد وضع داود أمامه كل الاحتمالات، فكما تضع كل دولة تدخل حرباً مع عدوها، كل الاحتمالات عندئذ تستطيع أن تواجه أعدائها بكل جراءة لأن لديها القوة والمقدرة، لأنها قد سلّحت نفسها لذلك هي لا تخاف ولكن طمأنينة الإنسان المؤمن ليست نابعة من أنه لا يوجد شر بل لأن الله يخبئه في يوم الشر.

نحن نختبئ في أيام الشر والحرب في ملاجئ ومخابئ، لكن هل هذه كافية لعدم وجود الشر. قد يسلب منا العالم أشياء كثيرة لكنه لا يقدر أن يسلب منا محبة الله وثقتنا في عنايته وفي مراحمه. اطمئنان الكثيرين وثقتهم في الله تتبع الحالة العامة أي أن اطمئنانهم وثقتهم بعناية الله هي حسب الحالة العامة او حسب الظروف المحيطة بهم لكن الطمأنينة المبنية على الظروف هي طمأنينة سريعة الزوال أما الطمأنينة المبنية على من «هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين 13: 8) فهي طمأنينة لا تتغير، جيوش وحلفاء تحالفت ضد داود لكنه يقول أنا مطمئن. «عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا» (مزمور 27: 2).

ثانياً:- أما مصدر هذه الطمأنينة:- هو مصدر واحد ابتدأ به داود مزموره وانهاه «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي... الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي...» هو «الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ» (إشعياء 40: 22) هو خالق الكون... «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3) «ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟» (إشعياء 40: 26) كل نجمة أعطى لها اسم وهو يعرفك باسمك».

لقد نظر الإنسان إلى الحضارة وإلى التقدم والتكنولوجيا لكي تخرجه من همه وألمه وشقاوته ولكن هل هذه كلها جلبت السعادة للإنسان؟.. يقول الكتاب المقدس إن الناس في الأيام الأخيرة يكون كربهم كرب الأمم.. بحيرة.. أي كرب ممتزج بالحيرة مما يجري ويحصل. تقع عليهم مخاوف ومتاعب وأحوال نفسية ومادية ولكن في وسط هذا المشهد تستمع إلى شخص يقول أنا مطمئن.. بكل المقاييس والاعتبارات أنا مطمئن كم واحد من الذين يسمعون الآن يمكن أن يسمعني هذه الكلمة بصدق ومن كل قلبه أنا مطمئن... أنا سعيد... يا ليت روح الله في هذه الأيام المضطربة تأتي لكل واحد منا فترفع كل نفس منحنية ومضطربة.

أعزائي المستمعين لماذا يعيش الناس وكأن الله غير موجود؟.. لتكن ثقتنا في الله وبعنايته هي ثقة الإنسان الواثق الذي لا يستطيع العالم أن يسلب منه محبة الله وعنايته ومراحمه وثقتنا فيه كثقة الطفلة التي كانت فرحة في داخل طائرة تجابه الأعاصير والرياح ومهددة بالسقوط بين لحظة وأخرى. وعندما سألت عن عدم خوفها قالت بشجاعة: - قائد الطائرة هو أبي فهل القائد الذي يسير دفة حياتك هو أبوك؟ وهل أنت واثق بعنايته؟

لتكن طمأنينتنا غير متقلبة وثابته سلام العالم وسلام البشر سلام كاذب «لاَ سَلاَمَ، قَالَ الرَّبُّ لِلأَشْرَارِ» (إشعياء 48: 22)... لأنه هو سلامنا عندئذ يرتفع رأسي على أعدائي لأنك أنت معي ففي وسط العالم المضطرب والهائج نحن لا نستمد طمأنينتنا من الخارج بل من الصخر الذي نبني عليه طمأنينتنا وهو صخر الدهور يسوع.