العودة الى الصفحة السابقة
أمنية أعمى أن يبصر

أمنية أعمى أن يبصر

جون نور


مرقس 46:10 «وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي».

لوقا 35:18 «وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِسًا علَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي».

مدينة أريحا تفصل بين الأردن وفلسطين ومدينة أريحا لمن لا يعرفها كانت ومنذ القديم المكان الذي يقصده الكثيرين للتمتع بدفئها وقت البرد القارس، أريحا التي هي همزة الوصل بين شواطئ ساحل فلسطين والبلاد العربية شرقاً. مر يسوع فيها هو وتلاميذه مثبتاً وجهه لينطلق إلى أورشليم.

وكان هنالك رجل أعمى جالساً على الطريق يطلب صدقة المارة. وكان ولا شك قد وصل إلى اسماعه خبر قيام نبي جديد يدعى بأنه المسيا. يقيم الموتى ويشفي المرضى ويفتح أعين العمي ويبرئ الكسيح والأعرج. فتمنى في نفسه لو كان بإمكانه الوصول إليه لينال منه نعمة الشفاء، ولكن أين له ذلك، وهو فقير ومعدم وليس له من يحمله إلى يسوع فيعود مبصراً.

بالتأكيد بقيت هذه الأمنية تجول في خاطره حتى سمع يوماً أن نبي الجليل سيزور المدن العشرة التي في عبر الأردن ماراً بأريحا. ففرح هذا الأعمى إذ أبتدأ يثق ويؤمن بقرب انعتاقه من هذا السجن الذي يعيش فيه:

وبينما كان جالساً على الطريق يستعطي سمع بأن يسوع مجتاز فابتدأ يصرخ قائلاً: يا يسوع ابن داود ارحمني... فانتهره المتقدمون ليسكت، أما هو فازداد صراخاً أكثر فأكثر يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يقدم إليه، فنادوه قائلين ثق... قم هوذا يناديك فطرح رداءه وقام وجاء إلى يسوع.

فسأله يسوع ماذا تريد أن أفعل بك. فأجابه يا سيد أن أبصر. فقال له يسوع أبصر... إيمانك قد شفاك. وفي الحال أبصر. ولكن ماذا عمل هل ذهب في سبيله، لا، وفي الحال أبصر وتبع يسوع وهو يمجد الله.

عندما نقرأ أو نتأمل في هذه القصة نستوحي دروسا تدور بمجموعها حول محبة الله المضحية للإنسان الضعيف الخاطي وكيفية الرجوع إلى أحضان تلك المحبة الفائقة الوصف.

1 - الدرس الأول نستوحيه من حالة ذلك الضرير حالة تدعو إلى الشفقة والرأفة. حالة تهون عندها أعظم المصائب التي تحل بالجسد، فقدان البصر أكبر مصيبة على الإنسان. فكيف بها وقد اقترنت بالفقر والعوز حتى أن صاحبها اضطر أن يجلس على قارعة الطريق ماداً يده يطلب إحساناً من المارة (يستعطي) هذه الحالة تمثل حالة الإنسان الخاطي أفضل تمثيل. إنسان لا يبصر الحق. ولا يرى جمال الطبيعة وقدرة الله في الكون الذي يحيط به.

هذه صورة للإنسان الذي يكفر بنعمة الله ويعصي شرائعه السماوية ويتمرغ في أوحال الخطية. ورغم أن حالة الإنسان تعيسة وميؤس منها لأنه خاطي إلا أنه يستمر في عناده ويتخبط في أتون متأجج بالنيران.

حالتنا تستدعي الشفقة كحالة ونظير ذلك الأعمى الجالس على قارعة الطريق يطلب صدقة.

2 - الدرس الثاني الذي نتعلمه يمكنا أن نسميه قبول الدعوة. أي استجابة الصلاة.

لجاجة ذلك الأعمى وصراخه المتعالي يا يسوع ابن داود ارحمني. لفت إنتباه السيد وجعله يقف. إذاً فيسوع يقف ويصغي إلى صلواتنا وتسترعيه ابتهالاتنا إذا كانت صادرة من أعماق قلوبنا. وهو القائل: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ...» (رؤيا 20:3) يسوع لا يمر مر الكرام بل يقف ويصغي ويقرع على أبواب قلوبنا لأنه يود الدخول إليها والسكنى فيها.

الصلاة ما هي سوى شركة عميقة لقلب المؤمن مع قلب الله، هي إحساس بحضور الله يملأ القلب هيبة وقداسة وجلالاً وكمالاً.

وسط ضجيج الحياة والجهد لنسرع بلمس هدب ثوب يسوع. وحذار أن يصرفنا الضجيج عن طلبه.

في كل حين لنطلق قلوبنا حتى نعتاد أن نكون محلقين في السماويات فنحيا مع يسوع في السماء.

3 - الدرس الثالث : هو الاهتداء:

قيل له قم... هوذا يناديك. فنهض برثلماوس وطرح رداءه وهرول نحو يسوع وكم من عباءة وجبة وياقة بيضاء وعمامة تقف عائقاً في سبيل اتباع يسوع.

لقد طرح الأعمى كل ما يعيقه عن المجيء إلى يسوع. فهل نطرح بدورنا كل ما يؤخرنا من أثقال الحياة عن المجيء إليه.

العالم يريد أن يهتدي إلى السلام بعد الحروب وويلاتها.

العالم يريد الراحة وسط التشويش والارتباك لكن لا راحة بدون يسوع.

جربت أيها الإنسان الثروة فلم تنجح. جربت العلم ففشلت.وزنت كل شيء بالموازين فوجدت الأمور ناقصة. جرب الإنسان المعاهدات وهيئة الأمم فرجع بخفي حنين.

لقد آن للعالم أن يعرف بأن هناك هادياً وحيداً وسط الصعوبات والضيقات ومخلصاً وحيداً هو الرب يسوع المسيح.

«سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ» (يوحنا 14: 27).

هل نكرس حياتنا وعقولنا وأوقاتنا وأموالنا لخدمته؟ هل نتبع يسوع لنساعده في تخفيف ويلات الإنسانية المتألمة؟

هكذا يصعد الإنسان الخاطي من حالة السقوط والخطية إلى درجة معرفة النفس والإقرار بالخطأ إلى قبول الدعوة فالاهتداء فالتكريس.

وهذه الدرجات سلم يرتقي بواسطتها الإنسان الخاطي إلى الكمال الإلهي. إلى الولادة الجديدة التي من فوق والتي بدونها لن يرى أحد الرب.

إلى أي درجة وصلنا في السلم. ومتى نبلغ قمة السلم فنكرس حياتنا لتمجيد الرب واسمه القدوس.