العودة الى الصفحة السابقة
أبعاد المحبة

أبعاد المحبة

جون نور


تقول الآية في رسالة أفسس 18:3 «وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ» ويقول في مكان آخر: «وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ» (أفسس 3: 19) التي لا يمكن أن تعرف. وكلمة تعرفوا تسوقنا إلى دائرة العلم أو المعرفة هنالك غرض أو شيء يطلب من الباحثين أن يسعوا للوصول إليه.

هل يمكن إدراك هذه المعرفة وهذه المحبة وكيف يكون الجواب والفكر البشري قاصر على أن يسع محبة الله، بل أن الإنسان وروحانياته لا تستطيع أن تدرك مدى هذه المحبة، إن الأمر يحتاج لاتساع القلب حتى يمكن إدراك عظمة هذه المحبة.

وسنتأمل في كيفية إدراك هذه المحبة وأبعادها كما يمكن أن نراها.

أولاً: كيف ندرك هذه المحبة؟

وأقول أننا لا نستطيع أن ندرك هذه المحبة إلا جزئياً:

أولاً ندركها بعقولنا:

أو برؤوسنا، إننا نعرف شيئاً عن المسيح عقائدياً إذ أننا نقرأ عن هذه المحبة في الكتاب المقدس وندرس أوصافها، غير أن الكلام عن محبة الله لا يعرفنا محبة الله إننا لا نستطيع أن ندرك ما لم تكن عقولنا مستعدة لهذا الإدراك وقليلون يدركون بهذه الطريقة.

وثانياً ندركها بقلوبنا:

كثيرون عرفوا المسيح أكثر بقلوبهم لقد أحسوا بيده تلمس جروحهم وتمسح دموعهم وتخفف آلامهم وأوجاعهم. لقد مروا بأوقات مظلمة ولكنهم رأوا المسيح من خلالها.

جاءهم ضيق وتعب فشعروا بيد المسيح تسندهم وتقول لهم: «أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا» (متّى 14: 27).

وثالثا ندركها بأيدينا:

أي بخدمتنا، ونحن نعرف الشخص أكثر إذا كنا نخدمه هو قال: «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ» (يوحنا 14: 15)).

عندما تدخل في علاقة روحية مع الرب يسوع وتعيي الآمه التي ذاقها من اجل خلاصك تختبر تلك المحبة التي اشتركت في تلك الآلام بل توجتها.

ورابعاً ندرك هذه المحبة بنفوسنا:

نستطيع أن ندرك محبته بنفوسنا بالتأمل وعندما نقطع الربط التي تربطنا بالأرض ونصعد إلى سيدنا ونجلس معه ونتأمل في محبته ونبصر جروحه ونرى جسده ودمه.

وبعد أن ندرك هذه المحبة بعقولنا وبقلوبنا ونلمسها بأيدينا وبنفوسنا سنقف على شاطئ المحبة متأثرين حائرين إذ سنجد أبعاداً ومقاييس لا نستطيع أن نصل إليها.

لقد حاولوا أن يقيسوا المحيطات طولها وعرضها وعمقها وآخر ما عرفوه أن مقاييسهم لم تصل إلى القاع فهي أكثر من ستين كيلومتراً من العمق وكذلك في محبة المسيح.

ولذا سنقيسها بمقاييسنا البشرية البسيطة لنعرف الشيء البسيط عنها.

1- عرضها:

تأمل عرضها أي اتساعها وإلى أين تمتد إلى كل الأمم والشعوب والأجناس ولكن كثيرين لم يعرفوا هذه المحبة. ها هوذا يقول: «أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي» (إشعياء 65: 1) ما أعرض هذه المحبة أية بلاد لم تصلها. أنها ليست كالتمدن تبسط سلطانها على جزء من العالم دون الآخر. هذه المحبة إنها كالشمس ترسل أشعتها على الزنوج والبيض والسادة والعبيد والفقراء والأغنياء. في المسيح لا عبد ولا حر ولا ذكر وأنثى لأن الكل له.

2 - طولها:

وما طول هذه المحبة يا ترى هل هي من القرن الأول أو الثاني فقط وانتهى أمرها بل هي محبة الأجيال الأولى المتصلة بالأجيال الأخيرة. هي محبة لا تؤثر فيها الأيام والفصول.

«ومَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ» (إرميا 31: 3). ما أقصر محبة الناس، تنتهي حالما ينتهي الغرض منها أو ينتهي استحقاقنا لها فكم حب انتهى إلى بغضاء أما محبتك يا الله فهي إلى دور فدور لا تنقطع.

3 - عمقها:

ما هو عمق محبة المسيح، إنها تمتد من ذروة السماء... إلى أين؟ إلى أن تصل الملائكة؟ بل أعمق بكثير!... إلى النجوم... أعمق إلى الأرض... أعمق إلى الهاوية... أعمق... بل إلى أعماق الهاوية...

لو أن محبة المسيح شملت الملائكة والقديسين لقلنا إنها عميقة عمقاً كافياً ولكنها وصلت إلى الأرض ونزلت إلى الهاوية وهناك خلصت نفوساً.

رأى الفريسيون متّى فقالوا في أنفسهم هذا عشار وخاطئ وخافوا أن تلمسه ثيابهم فيتنجسوا أما يسوع فرآه وعرف أفكاره وقال في نفسه هذا هو الرجل الذي يكتب إنجيلي الأول فاختاره ليكون أحد رفاقه في خدمته الجهارية.

إن محبة المسيح تخترق كل شيء حتى ترى الجواهر واللآلئ الثمينة التي لا تراها عين الإنسان في أقذر الأماكن وبين أدنى الناس وأكثرهم نجاسة.

ما أعظم العمق الذي أصعدنا منه «أَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلاَكِ، مِنْ طِينِ الْحَمْأَةِ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ» (مزمور 40: 2).

اسمعوا ما يقوله بولس: - «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا» (1كورنثوس 6: 9-11).

4 - علوها:

إنها ترفع الناس إلى السماء ليتمتعوا بمجد الله ومحبته «لِذلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا» (أفسس 4: 8) لئن كانت المحبة تصل في عمقها إلى أعماق الهاوية لتنتشل الخطاة فإنها ترفع من في الهاوية لا إلى حافتها ولا إلى سطح الأرض لكن إلى ذروة السماء. فإن كنت بعيداً إلى أسفل فاطلب محبة المسيح فتجلسك معه.

أيتها المحبة العجيبة ما أعظمك، أطول من الزمن طولك وأعرض من البحر والأرض وصلت العمق إلى هوان الصليب وارتفعت إلى العلو إلى تاج الله.

أيتها المحبة هل يمكن أن ندركك.