العودة الى الصفحة السابقة
الصلاة

الصلاة

جون نور


الكثيرون يعتقدون أن التمتمة القليلة التي نتلوها بالليل قبل أن ننام ونحن في حالة إعياء ونعس تعتبر صلاة مقبولة لدى الله مع أن الله ينظر إليها بحزن وأسف للصلاة والمصلي. وعندما نمر في تجربة أو مشكلة ما أو مأزق ما كثيراً نفكر في كل شيء للخروج من المأزق ونستعمل كل المفاتيح لفتح الباب المغلق إلا مفتاح الصلاة.

«تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إرميا 2: 13).الله في هذه الأيام لا يحتاج إلى وعاظ أفضل، أو مخططين أفضل بل يحتاج إلى مصلين أفضل، وصلوات أفضل. «تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا» (يعقوب 4: 3).

الصلاة هي الإمكانية التي أعطانا إياها الله، لكيما نعبر من خلالها عن فيض مشاعر القلب، بمحبة الله، واحساناته ومراحمه... فيها ومن خلالها أي الصلاة، نعبر عن امتنان القلب والرضى الداخلي، بكل ما تجريه العناية الإلهية.

إن كلمة صلاة واحدة، أفضل من مائة ساعة حمد وتذلل والنفس المصلية، أرض خصبة لنمو كلمة الله وأثمارها، ولا أبالغ إن قلت إن الصلاة، كثيراً ما تعبر عن سر طهارة القلب... فلا بد أن يكون هناك موافقة تامة بين القلب، والصلاة الصادرة منه. فلا يمكن أن تصدر الصلاة الحقيقية عن قلب غير صالح... فكثيراً ما تكون الصلاة ظاهرها شكر، وباطنها كفر، والدافع إليها الكبرياء، كشكر الفريسي الذي وقف يصلي قائلاً: «اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ» (لوقا 18: 11) فهو لا يرفع صلاته لله، بل يرفعها عليه، مترفعاً على الرب.

كيف نصلي سؤال سأله التلاميذ للمسيح، «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ» (لوقا 11: 1) وكأن التلاميذ أدركوا أن هناك علاقة بين حياة سيدهم العجيبة وبين الصلاة. فأتوا إليه ملتمسين منه أن يعلمهم الصلاة.

ونفهم من المقدمة التي علمهم إياها في الصلاة الربانية، أن الصلاة هي شركة المحبة الشخصية، بين المصلي والمصلى إليه، وأن أساس قوتها ونمائها هو معرفة أبوة الله المعلنة بالروح القدس، لكن ما هو سر الصلاة الفعالة أو المستجابة؟ قال المسيح لتلاميذه ذات يوم: «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ. لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ» (مرقس 11: 22 و24) فالإيمان إذاً هو سر الصلاة المستجابة، التي تحرك قلب الله، وفيها يعطينا المسيح عنصرين ضروريين للصلاة: -

أ - رغبة القلب... «تَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ» (إرميا 29: 13)، فالرغبة القلبية هي روح الصلاة.

ب - الإيمان... «كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ...» (مرقس 11: 24).

«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ» (مرقس 11: 22)... حينما تحدث المسيح عن الإيمان الذي يزحزح الجبال، والذي به صنع التلاميذ المسيحيون الأوائل أعمالاً عجيبة، فشفوا المرضى، وأخرجوا الشياطين، كانت هذه الأعمال بمثابة نقل الجبال.

كثيراً، ما نصلي يا رب ساعدنا، ولا يوجد عندنا ونحن نصلي الإيمان، بأن الله سيستجيب، فلماذا نصلي، وعندما يستجيب نعزوا الأمر للظروف والصدفة... أهو عدم إيمان... نعم إيمان ضعيف، بحيث يمكننا أن نقول بأنه لا يوجد إيمان البتة

لقد شرح الرب المعلم معنى الصلاة والعلاقة معه مشبها إياها بالثبات فيه في مثل الكرمة، حيث يقول: «أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ... كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ» (يوحنا 11: 1، 5 و2). فالمصلون الحقيقيون، هم أغصان في المسيح، الذي هو الكرمة الحقيقية فالمفروض بهم أن يثبتوا في المسيح، ويحفظوا وصاياه، ويسلكوا في طاعته، وحينئذ يستطيعون أن يصلوا باستقامة، والرب يعطيهم سؤل قلوبهم، ولكن هناك حقيقة يجب أن ندركها ونحن نصلي وهي أن الصلاة باسم المسيح، لا يراد بها مجرد ذكر اسم المسيح، في بداية الصلاة ونهايتها، وإنما المقصود أن يصلي المؤمن في روح المسيح.

كم مرة يجب أن نصلي؟

قيل في التلمود، أنه محظور على الإنسان أن يصلي أكثر من ثلاثة مرات في النهار، لأن الله يمل من الصلاة، في كل ساعة، لهذا أراد أن يعلمهم يسوع أن الآب لا يمل الصلاة كما يقولون، فقال لهم: «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (لوقا 1:18). والمقصود ليس أن نقضي ساعات اليوم الأربع والعشرين جثواً على ركبنا، وإنما أراد أن لا نمل الصلاة.

فديانة الإنجيل لم تحدد الصلاة بأوقات معينة، بل تركتها لأشواق القلب.

الصلاة كما أفهمها من أمثال المسيح هي حالة، أكثر منها صورة. إنها روح، أكثر من الكلمات، إنها شركة محبته مع الله، أكثر منها فريضة.

صحيح أنه أي المسيح أعطى تلاميذه نموذجاً للصلاة، وإنما لم يجعل هذا النموذج قالباً، نفرغ به صلواتنا، فتتجمد وتتحجر، بل قصد أن يكون هذا النموذج نواة، تنبت منها الصلوات التي نصليها.

يا ليت الرب يعطينا أن نصلي بالروح الصلاة التي علمنا إياها يسوع لتكون صلواتنا حسب قلبه ومشيئته.