العودة الى الصفحة السابقة
دينونة الله

دينونة الله

جون نور


لوقا 41:19 - 46 «وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا 42 قَائِلاً: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. 43 فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، 44 وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ». 45 وَلَمَّا دَخَلَ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ 46 قَائِلاً لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!».

ولما اقترب يسوع من القدس بكى عليها قائلاً: ستأتي عليك أيام يحيط بك فيها أعدائك... ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك... تفوه يسوع بهذه الكلمات القاسية والصعبة معبراً عن الأسى والألم الذي كان يعتصر في قلبه تجاه هذه المدينة المقدسة التي نسيت أو تناست زمان افتقادها المتكرر من قبل الله. وإن اختلف الزمن فلم تختلف الصورة. فمن كثرة ما سمعنا وتكلمنا عن محبة الله ولطف الله وعنايته من خلال المواعظ الجميلة والمرتبة. أصبحنا ننسى أن الله قدوس وعادل كما نسي أهل القدس. واصبح يظن الإنسان أنه يقدر أن يفعل ما يشاء وما يريد مستغلاً محبة الله حتى اللحظات الأخيرة من حياته فيتمادى في شره وغيه.

ولكن كلمة الله تقول بأن َ«غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ» (رومية 1: 18). كما أعلن يسوع غضبه على القدس. معلناً أنه لا يمكن أن تمر الخطية بدون عقاب.

لأن الله المحب الرحوم الحنون. هو في نفس الوقت إله العدالة الذي يكره الشر ولا يطيق الإثم. الذي يقول عنه الكتاب «إلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً» (أيوب 4: 18)إنه ينسب إلى ملائكته حماقة والسماء غير طاهرة في عينه .

الله بار وقدوس وعادل وقداسته تطلب أن يدين كل ما هو غير بار وقدوس. «لأنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ» (رومية 1: 18) والإنسان يدخر لنفسه وكلمة يدخر تعني يخزن. يدخر لنفسه غضباً ليوم دينونة الله. أي يخبئ لنفسه غضباً كغضب يسوع عندما دخل إلى الهيكل وطرد الباعة وقلب موائدهم. كلنا نعرف أن السد تحفظ فيه المياه حتى تروي المزروعات. وحينما يفتح هذا السد تخرج منه المياه بقوة هائلة جداً وهنالك عند إلهنا سد اسمه سد الصبر. وسد طول الأناة والرحمة. والإنسان يخطئ ويدخر ويخزن لنفسه غضب والغضب يتجمع خلف السد.

الإنسان أخطأ وبطبعه يريد أن يتمرد يريد أن يبعد الله عن حياته ويعيش لنفسه ويحصد لنفسه، وما هو لي هو لي وليس لله الحق للتدخل في حياتي وما أريده لنفسي ويرى الله أن شر الإنسان قد كثر ويعطي الإنسان فرصة للتوبة والرجوع كما صبر مع نوح لمدة 120 عاماً لكي يرجع الإنسان إلى الله قبل أن يأتي الطوفان لكن دون فائدة لا أحد يسمع الجميع يستهزئون كما استهزئوا بنوح ولم يهتموا له ولكن عندما طفح الكيل وامتلأ السد إلى شطوطه ولم يعد الله يحتمل أكثر من خطايا الإنسان انفتح السد وانسكب غضب الله على جميع الناس إلا الذين دخلوا فلك النجاة.

الله لا يستطيع أن يتحمل شرور الإنسان - لكن هل تعقل الإنسان وتعلم الدرس - كلا بل رجع الإنسان يخطئ من جديد وعاد الغضب يتجمع خلف السد وكلمة الله تقول: «اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 20) هذا قانون الله ولا يمكن أن يكسر هذا القانون.

ومدينة القدس التي جعلها الله مدينته المقدسة. جاءهم إشعياء يصرخ قائلاً يا أهالي أورشليم غضب الله يتجمع خلف السد. وهو مزمع أن يرسل دينونته هلموا ارجعوا إلى الرب. اسمعوا ما يقوله لهم: «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ.. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ» (إشعياء 1: 18 - 20). «لأني لست أسر بمحرقاتكم. وأعيادكم كرهتها نفسي. تأتون إلى الصلاة وأيديكم مملوءة خطية» هذه كانت خطية القدس.

لقد كانت مدينة الله وما زالت. هنالك رجال الدين وتعاليم التوراة والتسابيح. ولكن هذه المدينة بشعبها ابتعدت عن الله وعن العبادة الحقيقية وعبدت الأوثان والأصنام التي لا يوجد فيها عبادة حقيقية. ولم يتركهم الله في غيهم فجاءهم الغضب في شكل نبوخذنصر البابلي وحاصرهم حصاراً شديداً انقطعت فيه المياه والطعام وحمي الحصار. يوماً بعد يوم وأيادي الأمهات الحنونات طبخن أولادهن من الجوع ومن هول الحصار إلى أن دخل نبوخذنصر واستباح المدينة وقتل الشعب.

لكن هل تعلم الإنسان وحفظ الدرس كلا بل عاد الإنسان يخطئ من جديد وأصبحت الخطية خطية كونية تعم الكون وعاد الغضب يتجمع خلف السد.

لكن محبة الله تجلت في شخص الرب يسوع المسيح. وقبل أن يفتح أبواب السد ويأتي الغضب كانت هنالك مشاورة في الأمجاد بين اقنوم الأب والابن. الابن يقول إن نزلت إلى الأرض وحملت هذا الغضب هل يرضي هذا عدالتك والأب يقول ولكن هذا سيكلفك الموت. والابن يقول أنا مستعد... هل تموت عن أولئك الأشرار... نعم أموت.

وبين الله محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح من أجلنا. ورضى الآب أن يحمل يسوع الغضب...«الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14).

يسوع البار القدوس على الصليب البار الذي «لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (2كورنثوس 5: 21). لقد جاء الآب بكل خطايا الجنس البشري ووضعها على يسوع في الصليب.

وعندما صرخ يسوع: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46) كان السد ينفتح، والغضب ينسكب عليه وعليه وحده. لقد كان ذلك الغضب مزمع أن ينسكب على العالم ولكن عندما حمل يسوع خطايانا جمع دينونة الله على نفسه وانسكب الغضب عليه.

وعندما صرخ يسوع: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا 19: 30) أكمل الخلاص لا خطية بعد الآن عليكم لقد حملت عنكم الدينونة وأكملت كل شيء.

يسوع مات على الصليب من أجل خطاياي وخطاياك هذه هي المحبة أن يضع الإنسان نفسه لأجل أحبائه.

بموت المسيح يسوع أرضى العدل الإلهي ومن الدينونة تفجرت ينابيع الخلاص والرحمة.