العودة الى الصفحة السابقة
في المسيح أنا مطمئن

في المسيح أنا مطمئن

جون نور


تقول كلمات المزمور 6:27 «وَالآنَ يَرْتَفِعُ رَأْسِي عَلَى أَعْدَائِي حَوْلِي، فَأَذْبَحُ فِي خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ الْهُتَافِ. أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ لِلرَّبِّ».

«إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ» (مزمور 27: 3) أنا مطمئن... وإن استطعت أنت وأنا أن نقولها في وقت الظروف العصيبة بالذات فنحن ربما نضحك على بعضنا البعض.... فمن هو الذي يقدر أن يقول هذه العبارة من أعماق قلبه؟... ننظر إلى العالم حولنا فماذا نجد، حروب.. أخبار حروب.. حشود.. حصار.. مقاطعات اقتصادية وعالم منشغل في تدمير نفسه ومقدراته وإمكانياته.

«تأملوا معي في طبيعة هذه الحياة التي نحياها، أين السلام وأين المحبة حتى بين الأشقاء... أين الإخلاص... أين الوفاء بالعهود والوعود... أين صدق الكلمة... أنا معك اليوم وغداً أعمل ضدك... أين الطمأنينة... إين الوفاق العائلي، لا بل أين الوفاق العالمي. تأملوا معي في حال هذه الدنيا وقد امتلأت حياة الناس بالرعب والهلع والخوف مما قد يأتي، لكن أقولها كلمة لكم في هذه الحلقة كونوا متأكدين من شيء واحد أن لنا إلهاً في السماء لا يزال حياً وسيبقى إلى دهر الداهرين، فنحن مع المسيح نستطيع أن نرفع رؤوسنا ونضم صوتنا مع داود ونقول بثقة من أعماق قلوبنا:-

«اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» (مزمور 27: 1).

«عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا» (مزمور 27: 2) لأن الله هو ضامني، لا مال .. ولا جاه.. ولا حساب.. ولا عقار يستطيع أن يضمنني ساعة واحدة إلا هو، فإن كنت خائفاً من جهة حياتك يقول لك أنا هو الرب شافيك – وإن كنت خائفاً من جهة طعامك فيقول لك الأشبال احتاجت وجاعت - وأما طالبوا الرب فلم يعوزهم شيء من الخير...

«كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا» (مزمور 37: 25)، ولو تأملنا في هذه الطمأنينة من زاويتين مختلفتين لوجدنا أن:

أولاً: - جوهر هذه الطمأنينة، إن الرب هو حصن حياتي ممن أرتعب... ممن أرتعب... من يخيفني وكأني بكاتب المزمور يتحدى ويقول... من يقدر أن يرعبني... ممن أخاف... من يقدر أن يخيفني...، لقد وضع داود أمامه كل الاحتمالات، فكما تضع كل دولة تدخل حرباً مع عدوها، كل الاحتمالات عندئذ تستطيع أن تواجه أعدائها بكل جراءة لأن لديها القوة والمقدرة، لقد سلحت نفسها لذلك هي لا تخاف ولكن طمأنينة الإنسان المؤمن ليست نابعة من أنه لا يوجد شر بل لأن الله يخبئه في يوم الشر.

نحن نختبئ في أيام الشر والحرب في ملاجئ ومخابئ، لكن هل هذه كافية لعدم وجود الشر. فهل الملجأ والمخبأ مكان آمن..؟ كلا... بل هو «يُخَبِّئُنِي فِي مَظَلَّتِهِ فِي يَوْمِ الشَّرِّ. يَسْتُرُنِي بِسِتْرِ خَيْمَتِهِ...» (مزمور 27: 5). «اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ»... (أمثال 18: 10) «فِي يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ» (مزمور 56: 3).

قد يسلب منا العالم أشياء كثيرة لكنه لا يقدر أن يسلب منا محبة الله وثقتنا في عنايته وفي مراحمه. اطمئنان الكثيرين وثقتهم في الله تتبع الحالة العامة مثل ميزان الحرارة أو سوق البورصة، أي أن اطمئنانهم وثقتهم بعناية الله هي حسب الحالة العامة لكن الطمأنينة المبنية على الظروف هي طمأنينة سريعة الزوال أما الطمأنينة المبنية على من هو هو أمس واليوم وإلى الأبد فهي طمأنينة لا تتغير، جيوش وحلفاء تحالفت ضد داود لكنه يقول أنا مطمئن. «عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا» (مزمور 27: 2).

ثانياً:- أما مصدر هذه الطمأنينة:- فهو مصدر واحد ابتدأ به داود مزموره وانهاه الرب نوري وخلاصي... الرب حصن حياتي... هو «الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ...» إشعياء 40: 22) هو خالق الكون... «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ...» (يوحنا 1: 3) «ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟» (إشعياء 40: 26) كل نجمة في السماء أعطى لها اسم وهو يعرفك باسمك.

لقد نظر الإنسان إلى الحضارة وإلى التقدم والتكنلوجيا لكي تخرجه من همه وألمه وشقاوته، فقد أعطت المدنية والتقدم للإنسان الكثير الكثير، فقدمت له ما لا يمكن تصوره حتى في أحلامه ولكن هل هذه كلها جلبت السعادة للإنسان؟.. يقول الكتاب المقدس إن الناس في الأيام الأخيرة يكون كربهم كرب الأمم.. بحيرة.. أي كرب ممتزج بالحيرة مما يجري ويحصل. تقع عليهم مخاوف ومتاعب وأحوال نفسية ومادية ولكن في وسط هذا المشهد تستمع إلى شخص يقول أنا مطمئن.. بكل المقاييس والاعتبارات أنا مطمئن كم واحد يمكن ممكن ان يقول هذه الكلمة بصدق ومن كل قلبه أنا مطمئن... أنا سعيد...

لماذا يعيش الناس وكان الله غير موجود؟.. لتكن ثقتنا في الله وبعنايته هي ثقة الإنسان الواثق الذي لا يستطيع العالم أن يسلب منه محبة الله وعنايته ومراحمه وثقتنا فيه كتلك الطفلة التي كانت فرحة في داخل طائرة تجابه الأعاصير والرياح ومهددة بالسقوط بين لحظة وأخرى. وعندما سألت عن عدم خوفها قالت بشجاعة: قائد الطائرة هو أبي فهل القائد الذي يسير دفة حياتك هو أبوك؟ وهل أنت واثق بعنايته.؟ أو هل أنت كركاب السفينة التي كانت تعبر عباب المحيط في بحر مضطرب وهائج، حين زحف أحد الركاب الخائفين إلى حيث كان القبطان والبحارة فوجدهم يبتسمون وهم يقومون بعملهم فعاد فرحا ً وقال للركاب الخائفين اطمئنوا فإن القبطان والبحارة يبتسمون.

لتكن طمأنينتنا غير متقلبة ثابتة لان سلام العالم وسلام البشر سلام كاذب «لَيْسَ سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ...» (مزمور 57: 21) لأنه هو سلامنا عندئذ يرتفع رأسي على أعدائي لأنك أنت معي ففي وسط العالم المضطرب والهائج نحن لا نستمد طمأنينتنا من الخارج بل من الصخر الذي نبني عليه طمأنينتنا وهو صخر الدهور يسوع.