العودة الى الصفحة السابقة
المسيحية والمرأة

المسيحية والمرأة

جون نور


من بين المؤشرات الدقيقة التي تحدد أي حضارة أم دين هو مكانة المرأة في هذه الحضارة أو الدين، فكلما سمت هذه الحضارة أو ذلك الدين سمت مكانة المرأة وارتقى شأنها وعظم قدرها واحتلت المكانة اللائقة بها في المجتمع على قدم المساواة بين الرجل بلا أدنى تفرقة في حقوق وامتيازات والعكس بالعكس فيما إذا لم تبلغ تلك الحضارة أو ذلك الدين ما ينبغي أن يملكه من كمال تصبح من سقط المتاع. وليس التاريخ في غفلة من أمر مجتمعات متخلفة وحضارات متأخرة وشعوب وثنية وديانات بدائية أحطت من قدر المرأة ومكانتها وجعلت منها سلعة تباع وتشترى ورمت بها في أسواق النخاسة جاعلة إياها في مرتبة دون مرتبة الرقيق وحسبنا هنا أن نذكر الصلاة التقليدية التي كان اليهودي يرددها صباح ومساء فيقول اللهم أشكرك لأنك خلقتني يهودياً لا أممياً حراً لا عبداً رجلاً لا امرأة وقد ظلت البشرية في ظلال ذلك الدين القديم متأثرة بهذا الفكر المجحف بحق المرأة حتى أشرق على الدنيا فجر المسيحية رافعاً لواء المساواة بين جميع الأجناس هاتفاً بالنشيد المبارك «لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية أصحاح 3 عدد 28).

دعونا نقف أمام الحقائق التي تعبر عن عظمة مكانة المرأة في المسيحية فإن أول حقيقة «العالم ناقص بدونها» خلق الله العالم فأبدع في خلقه فبعد أن قال الله في أن كل ما عمله إذاً هو حسن جداً, فقد وصل بخلقه هذا إلى قمة سلم الإبداع قال هذه العبارة ليس جيداً أن يكون آدم وحده بل لنصنع له معيناً نظيره أجل يا أحبائي فإن هذا العالم الجميل بكل ما فيه من أشجار وثمار وورود وأزهار وشموس وأقمار بحاراً وأنهاراً أسماك وحيوانات وأطيار هذا العالم بكل ما فيه من جمال وبكل ما فيه من إبداع ليس جيداً ليس حسناً بغير المرأة، وهنا نلاحظ حقيقة أخرى في مسألة الخلق أن المرأة صناعة إلهية… قال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده بل لنصنع له معينا نظيره .من الذي يقول لنصنع الآب والابن والروح القدس الله المثلث الأقانيم يقول لنصنع له معين نظيره واعتقد أن أعظم تكريم للمرأة هو أنها مصنوعة بيد الله صناعة إلهية , إنها صناعة سماوية صناعة إلهية وصنعها الله… الله هو الذي أوجدها لنصنع له معين نظيره وثم نلاحظ حقيقة أخرى في مسألة الخلق الذي يكرم بها الكتاب المقدس المرأة إنه يتحدث إلينا أن المرأة صنعت بيد الله من ضلع الرجل ولماذا من ضلع الرجل لكي تكون وإياه على قدر المساواة فلا هي من رأسه لكي تتكبر عليه ولا هي من قدمه لكي يتكبر عليها ويدوسها , ولكنها من ضلع الرجل والدهشة أن الذي عندما أخذها من ضلع الرجل أجرى العملية بدون إحداث جروح وبدون إحداث آلام فلو حدثت هناك جروح أو نزيف أو آلام لوجد آدم أساس للتحامل عليها على اعتبار أنه ضحى لأجلها وذاق المر لغاية وجودها لكن الذي أخلاه من إيجاد أي فضل له عليها بأن خلقها بدون أن يشعر آدم أن الله أخذ ضلعاً من أضلاعه ووضع في مكانه لحماً لكي لا يقول أنه نقص منه شيء . أخذها الله من ضلعه بلا آلام وبلا جروح ولاحظوا أيضاً بهذه القصة قصة الخلق جانب آخر يكرم المرأة بأن المرأة نظير الرجل حيث يقول لنصنع له معيناً بل أكثر من ذلك نظير الله…

لقد قدمت المسيحية امتياز الخلاص الأبدي والحياة الأبدية للمرأة على قدم المساواة تماماً مع الرجل ولم تفرق بينه وبينها في شيء. وفي دائرة نظام الزوجة الواحدة وتحريم الطلاق في المسيحية رفعت المرأة وسمت بها وجاءت المسيحية أيضا لتشجب وتشطب أشر مساوئ النظم الاجتماعية ألا وهو تعدد الزوجات فكانت بهذا الإجراء تنتشل المرأة من الهوة السحيقة التي أحضرتها إليها النظم البشرية فجاءت تنادي بالقول رجل واحد لامرأة واحدة وامرأة واحدة لرجل واحد, زواج أبدي ووحدة واحدة بلا خصام ولا انقسام إلى الأبد يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذاً ليس اثنين بل جسداً واحداً فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان إنجيل متّى أصحاح 19 من عدد 4 - 6.

وكرمت المسيحية المرأة في دائرة العلاقات الزوجية... دعونا نستمع إلى المسيحية وهي تضع أمام أسماعنا هذا القانون السماوي لتنظيم العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة الزوج أو الزوجة وأنتم ترون إلى أي مدى تكرم المرأة المسيحية والمرأة في دائرة العلاقات الزوجية... «أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ...» (1بطرس 3: 7).

والآن في ختام موضوع حلقتنا هذه في موضوع المسيحية والمرأة دعونا نعود مرة أخرى إلى شعار المسيحية العظيم بهذا الشأن والذي أشرنا إليه في مقدمة التأملات ليس يهودياً ولا يونانياً ليس عبدٌ ولا حرٌ ليس ذكرٌ ولا أنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع، يا ليتنا رجالاً ونساء نعظم هذه المبادئ السامية العالية التي جاءت لكي تجعل منا واحد في المسيح يسوع...