العودة الى الصفحة السابقة
رب المجد صُلب مع أثمة

رب المجد صُلب مع أثمة

جون نور


«صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُذْنِبَيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ» (لوقا 23: 33).

وإن كنتم لا تصدقون بأن رب المجد يُصلب مع أثمة، فتعالوا معي إلى المكان المدعو جلجثة وانظروا يدي يسوع مسمرتين على الصليب.

تأملوا في تلك الساعة الرهيبة عندما سقط يسوع على وجهه في بستان جثسيماني وصرخ: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ» (متّى 26: 39). أتظنون أن الآب لم يشأ أن تعبر تلك الكأس عن ابنه؟ ألم يكن الله راغباً في تخليص ابنه من ألم الصليب وعاره؟ كلا... بل هذه كانت رغبته. ولكنه لم يقدر على تنفيذها لقساوة قلوب البشر. إن مجيء يسوع بالجسد إلى تلك البيئة بيئة الخطية جعل الصليب حدثاً مؤكداً لا بد من وقوعه. ولا شيء سوى إهلاك تلك الجماعة التي صلبته كان باستطاعته أن يمنع الصلب. إن ناراً من السماء كانت تكفي لتخليص يسوع من الصلب ولكن الله لا يقدر أن يرسل ناراً من السماء لأن رسالته هي أن يخلص وليس أن يهلك. إن استخدام القوة للقصاص أمر غريب لا يتفق مع طبيعة الله الآب - طبيعة المحبة. عندما طلب تلميذان من يسوع أن يرسل ناراً من السماء على قرية سامرية لرفض أهلها إياه وبخهما بقوله: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!» (لوقا 9: 55). إن الأمر الوحيد الذي كان بإمكانه أن ينجي يسوع من ألم الصلب هو تجديد قلوب أولئك اليهود القساة. وذلك ما عجز الله عن إتمامه. لقد دعاهم بواسطة أنبيائه أولاً وثانياً بواسطة ابنه مناشداً إياهم بالتوبة ولكنهم طرحوا الدعوة بعيداً عن قلوبهم وصلبوا رب المجد. والحقيقة الصريحة هي أن الله لا يستطيع أن يجري إرادته في عالم ليس خاضعا له. ولا يستطيع أن يخلص الأفراد من صلبانهم التي يضعها عليهم الوسط الذي يعيشون فيه. فإذا نحن تذكرنا هذه الحقيقة تنحل أمامنا كثير من المشاكل وتهون الأمور المستعصية.

لنأخذ مشكلة الصلاة غير المستجابة التي تقض مضاجع الآخرين من المتعبدين. لا ريب أن الله يرغب بأن يستجيب كل صلاة ترفع إليه من أبنائه المؤمنين. وهذا مما لا نستطيع أن ننكره، لأننا ان انكرنا ذلك ننكر أبوة الله ومحبته وعطفه وحنانه. لكنه لا يستجيب صلوات رجال ونساء كثيرين مهما كانت صلواتهم صالحة إذا كانوا يسكنون في منطقة يهمل سكانها نواميسه الإلهية التي وضعها للحياة. لم يكن بمقدور الله أن يخلص يسوع من الصليب في وسط يسيطر عليه التعصب والجهل والشراهة والفسق. كان بمقدوره أن يمده بالشجاعة والإيمان والاحتمال ليتغلب على الصليب وذلك كان كل ما بإمكانه أن يقدمه له. إن يدي الله كانتا مربوطتين بوثاق محكم منسوجة خيوطه من حالة المجتمع الأدبية والروحية تلك التي سمرت يدا يسوع على الصليب بمسامير غاشمة صهرت مادتها في بوتقة ذلك المجتمع الموبوء.

أعزائي المستمعين. في عالم ينفق على الحرب مليارات الدولارات لصنع الذخيرة. في عالم يضحي بعشرات الملايين من شبانه سداً لمطامع الأغبياء. في عالم يبذل أضعاف ما يبذله من المال والرجال والجهود الجبارة على آلة الشر الهدامة (الحرب) ويصرف أمثال ذلك على القمار والمسكر والدعارة. في عالم يحكمه إبليس ويتسلط على جميع مقدراته - في عالم كهذا لا بد من وجود الشقاء والتعاسة والفقر والمجاعة ولا يمكن للقدرة الإلهية أن تنجي الفرد من عوامل الشر هذه. ولا يمكن أن يزول الشقاء وينجو الفرد من البلاء ما لم تصبح البيئة كلها لله.. عبثاً نطلب من الله أن يمنع الحروب. كيف يستطيع الله أن يمنع الحرب أو أن يبطلها والناس لم يتعلموا من الحروب الماضية وقد نسوا دروسها القاسية. كيف يمكنه أن يوقف الحروب. والناس لا يزالون يومنون بتحكيم السيف والمدفع لحل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إن الله يتألم لتعاسة العالم ولشقاء البشرية أجمع ويريد أن ينهي الحروب ويمنع ويلاتها. ولكن هذا يتم فقط بتغيير القلوب وإنارتها بالمعرفة والحكمة والمحبة.

ولنأخذ أيضاً مشكلة وهي مشكلة المشاكل وعلة العلل. والحقيقة أنه ليس بمشكلة. لأن أكثر الآلام ناجمة عن الجهل والإهمال ورداءة الأحوال أو قل عن الخطية. والألم قد يصيب أياً كان وغالباً ينزل بأقل الناس استحقاقاً له في مجتمع تسود فيه الخطية. والمهم هو أنه لا يأتي من الله بل من رداءة الحال. فطالما نهمل الحقائق الروحية، وطالما نقدم المادة على الحياة البشرية، وطالما نسلك في غير طرق الله المشروعة تبقى الأمور كما هي والله لا يمكن أن يخلص الأفراد من الآلام طالما هم عائشون في عالم مبني على هذا النظام. قد يخدم الحظ البعض من الناس فلا يجد الألم إليهم سبيلاً ولكن لا يمكن أن ينجو جميع الناس من سلطانه ويتعذر على الله أن ينجي الأفراد من شره.

إن إرادة الله لا تتم في وسط. حتى يطيعه جميع من في ذلك الوسط. وطالما وُجد من يرفض إطاعة شريعة المحبة. فالعالم سيتألم ولا يمكن لله أن يمنع الألم. إن الله لا يمنح الغبطة للأفراد فقط بل يمنحها في وسط جماعة تطيع إرادته. هذا يصل بنا إلى الأهمية العظمى للكنيسة التي هي جماعة المؤمنين فهي على الرغم مما فيها من أخطاء فهي رجاء العالم الوحيد. وواجبنا أن نضم إلى شركة المحبة هذه قدر ما نستطيع من الناس. فكلما ارتبطنا أكثر بحلقة المحبة كلما ساعدنا على تقليل الألم والشقاء من العالم. فلنصلِ إذاً ولنعمل على جلب العالم كله إلى شركة المحبة هذه بالمسيح يسوع لتتمتع بالغبطة والسلام والراحة والاطمئنان ولنعش بالهناء وقداسة الحياة. وهذه كلها تنحصر بالمحبة الكاملة.