العودة الى الصفحة السابقة
لب المسألة

لب المسألة

جون نور


  • ما سر الحياة وغايتها؟

  • ما هذا الذي يحدث لمجتمعنا، بل لعالمنا في الواقع، إذ يبدو أنه مندفع نحو هوة الهلاك وقد فقدت السيطرة عليه كما يظهر جلياً؟

  • هل من حياة وراء القبر؟ أم هل تتلاشى حياتنا كضوء تألق ثم خبا؟

من منا لم يطرح أسئلة من هذا القبيل بين حين وآخر، وإن كنا نعود فنتناساها لأنها صعبة ومقلقة؟ غير أن تجاهل مثل هذه الأسئلة لا يجدي نفعاً؛ فهي تأبى أن تغادرنا.

إن ديانات العالم الكبرى تدلي بدلوها محاولة تقديم أجوبة لهذه المسائل، ولو كانت الأجوبة قليلة ومترددة أحياناً. ويقينا أن المسيحية تعرض جوابها أيضاً، ولا سيما لأنها ذلك الإيمان الذي أثر، أكثر من سواه، في حياة ملايين الناس من كل لون وجنس وطبقة، وذلك على مدى ألفي عام تقريباً. ولا تجافي المسيحية الحقيقة إذا صرحت بأنها وثيقة الصلة بالحياة وجذابة للكثيرين على نطاق العالم كله. ولكن، ماذا يكمن في صميم المسيحية؟

أتكون المسيحية في الأساس جملة من المعتقدات؟ أ هي تلك العادة النموذجية في الذهاب إلى الكنائس كل يوم أحد؟ أم هي مبادئ السلوك السامية الساعية إلى ترجمة المحبة عملياً؟ أم لعلها تلك الثقافة الواسعة الانتشار، المضافة إلى الحضارة الغربية؟

لا، ليست المسيحية شيئاً من هذا كله. طبعاً، يؤمن المسيحيون بمعتقدات محددة، وهم يعبدون الله مجتمعين معاً، ويتصرفون بطريقة مميزة، ويؤثرون في جو مجتمعهم بمقدار كبير أو قليل. غير أن هذه الأمور لا تأتي بنا إلى لب المسألة.

إن مفتاح المسيحية هو قيامة الرب يسوع المسيح حياً من القبر. هذا هو لب المسألة! فالمسيحية لا تزعم أن يسوع الناصري كان معلماً صالحاً فحسب، ولا إنساناً كاملاً فقط، بل تذهب إلى أن الله دخل عالمنا في شخص المسيح. وقد كانت حياة المسيح بجملتها إيضاحاً حياً لهوية الله وسجاياه. وبعد أن صلب الناس المسيح فمات في «يوم الجمعة العظيم» أقامه الله حياً من بين الأموات في «أحد القيامة». وبذلك أثبت الله صحة أقوال المسيح وتعليمه، وفرادة سيرة حياته، وقيمة موته الكفاري.

تلك هي الدعوى الأساسية في المسيحية، وطالما كانت كذلك. وهكذا، فإن شئت أن تفحص حق المسيحية وحقيقتها، ومصداقية الحلول التي تقدمها لمشكلات الإنسان والعالم، فإلى القيامة ينبغي أن تتوجه.

في عصرنا الحالي عاش صحافي شاب كان في بادئ الأمر ميالاً إلى الاستنتاجات السلبية التي طلع بها اللاهوتيون الشكاكون. وقد كان هذا الشاب معجباً بشخصية يسوع المسيح، إلا أنه رأى أن سيرة المسيح مؤسسة على حقائق تاريخية غير مؤكدة وإن مادة الأناجيل لا يوثق بها وقد عفاها الزمن؛ كما كان مقتنعاً بأن العجائب لا تحدث الآن ولم تحدث آنذاك. غير أن سيرة المسيح خلبت لبه، فقرر أن ينظر في المسألة حالما يتسع له الوقت، وأن يكتب رواية دقيقة تكون مرجعً ثقة عن آخر أيام المسيح المأساوية التي شكلت آخر مرحلة من حياته الجديرة بأن تخلد. ولكنه لما أقبل على تفحص البينات، شأنه شأن «وست»، اضطر لأن يكتب كتابه من الزاوية المقابلة. فكانت الحصيلة كتاب «من دحرج الحجر؟» والذي كتبه ذلك الشاب المدعو «فرانك موريسون». وقد أحرز هذا الكتاب شعبية عظيمة وأحدث تأثيراً كبيراً، حتى اعتبر ظاهرة لافتة. وبكل صدق وإخلاص عنون «موريسون» الفصل الأول من الكتاب المذكور بهذا موسيقى العُنوان: «الكتاب الذي أبى أن يكتب».

إن البينات الدالة على حقيقة قيامة المسيح لقوية جداً ودامغة حقاً. وأنا أدعوك لترافقني إذ نفحص بعضاً منها. ذلك لأن قيامة المسيح تشكل حجر الزاوية في المسيحية. إنها أوضح دليل عندنا إلى غاية الحياة ومصيرها. ولذلك هي لب المسألة.

إن كانت القيامة صحيحة، فعندئذ يمكننا أن نتيقن بأن الله موجود. ويظهر لنا في الحال أنه ذلك الإله الذي أعلنه الرب يسوع: إله ليس فقط صنعنا بل أيضاً أحبنا ويعنيه أمرنا جداً حتى إنه جاء إلينا وصار كواحد منا.

وإن كانت القيامة صحيحة، فعندئذ يكون يسوع المسيح بالحقيقة هو الطريق والحق والحياة. وما من إيمان آخر استطاع أن يصرح، ولا حتى أن يثبت، أن مؤسسه قد قام من بين الأموات وأنه حي الآن. فللرب يسوع كل الحق أن يعتبر الجسر أو القنطرة بين الله والإنسان – إن كان قد قام من بين الأموات.

وإن كانت القيامة صحيحة، فعندئذ يكون للبشر رجاء بالمستقبل. إذ إن قيامة المسيح هي أول دفعة من العالم الأفضل الذي نتوق جميعاً إليه ولكن يبدو أننا عاجزون عن تحقيقه.وحقاً ما قاله المستشار «أديناور» الزعيم الألماني الغربي: «لو كان يسوع المسيح ليس حياً، لما كنت أرى أي رجاء للجنس البشري!»

وإن كانت القيامة صحيحة، فإنها تضع الألم والموت تحت ضوء جديد. إذ تقول لنا إن الحياة الحاضرة، بكل ما فيها من آلام ومعانيات، ليست هي النهاية: بل على العكس، إنها بمثابة مدرسة تدريب للحياة الأبدية. وقد كان أحد القيامة هو اليوم الذي فيه مات الموت. فالذين يعرفون المسيح حقاً سوف يقضون الأبدية معه. إذ إن من جاء ليشترك معنا في حياتنا المتقلقلة المضنية يتيح لنا فرصة الاشتراك معه في حياته الأبدية – إذا كان خبر القيامة صحيحاً.

أن القيامة هي «المفصل» التي عليها تدور المسيحية بجملتها. وحتى لو بدت أمراً لا يكاد يصدق، لكنها حصلت فعلاً؟ هذه هي المسألة