العودة الى الصفحة السابقة
لماذا نصوم؟

لماذا نصوم؟

القس. جون نور


إن الصوم هو شركة روحية مع الله، وهو ليس كذلك فقط لكنه أيضاً عامل من عوامل تعميق الشركة الروحية مع الله.

تحدث الرب يسوع لتلاميذه عن ضرورة الصوم للتغلب على الشيطان فقال لهم:{وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم} (مت 21:17).

ومما لا شك فيه أن هناك عشرات الأسباب التي تدعو الفرد أو العائلة أو الجماعة للصوم:

أهم أسباب الصوم هو الرغبة في تعميق الشركة مع الله، والفرد حينما يصوم إنما يسعى لإلجام وقمع الانفعالات والغرائز والشهوات الجسدية وإخضاعها بالكامل لعمل روح الله، أو كما قال أحد المؤمنين: (إن الصوم حالة يتجه فيها الإنسان نحو الله، مقللاً من الروابط التي تربطه بالأرض، وضابطاً دوافعه الجسدية نحو السماء، فيأخذ نعمة تساعده على التقدم في الطريق الروحي).

وذكر الدكتور القس فايز فارس في كتيب عن الصوم أنه لازم (.. لفحص النفس أمام الله والتذلل قدامه وسكب القلب لديه والرغبة في إنهاض الحالة الروحية سواء للفرد أو العائلة أو الكنيسة).

فالصوم عامل من العوامل المساعدة في خدمة الله، فهو يشدد أولاد الله ويشجعهم ويرشدهم ويسندهم ويقربهم لله، إنه تدريب من أعظم التدريبات على الاحتمال. يقول الرسول بولس متحدثاً عن خدمته المباركة إن أساس نجاح هذه الخدمة إنها كانت {.. في تعب وكد. في أسهار مراراً كثيرة في برد وعري...}(2كو 27:11).

ويذكر الكتاب في سفر الأعمال أن الرسل {بينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما}(أع 2:13، 3).

وهكذا نرى أن الروح القدس يلعب دوراً هاماً في حياة المؤمنين وفي تعضيد خدمتهم لله (أع 23:14).

الصوم مهم لتذكيرنا باحتياجات المحتاجين. فلن نشعر بجوع الجائع إلا إذا جعنا مثله، وليس هذا مبدأً أخلاقياً، بل هذا ما صنعه المسيح بنفسه {لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادرين أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية}(عب 14:4).

ومن الظاهر أن هذه المشكلة كانت من المشاكل البارزة في كنيسة كورنثوس وظهرت واضحة في عدم تناول الأغنياء طعامهم مع الفقراء {لأن كل واحد يسبق فيأخذ عشاء نفسه في الأكل فالواحد يجوع والآخر يسكر... وتخجلون الذين ليس لهم}(1كو 21:11، 22).

لذا كان مدح الرب عظيماً لمن اهتموا بالآخرين واحتياجاتهم {تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني} (مت 34:25، 35). الصوم هنا هو دخول لدائرة الإحساس بالآخرين الغير قادرين على أن يجدوا كفايتهم الجسدية من القوت (أش 7:58)، والعمل على مشاركتهم في استكمال احتياجاتهم.

بالصوم ندرب أنفسنا أن يكون لنا سلطان على ذواتنا. وهذا ما أوضحه الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي {أعرف أن أتضع وأعرف أيضاً أن أستفضل. في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أستفضل وأن أنقص}(في 12:4).

إن سيطرة شهوة البطن أو شهوة الجسد واحدة من أكبر وأخطر مشاكل الحياة الجسدية والروحية، فنحن نسمع عن الكثيرين الذين تصرعهم أمراض التخمة وكثرة الأكل، والكتاب المقدس يكلمنا عن أن العاجزين عن تدريب ذواتهم قد يصيروا {أعداء صليب المسيح... الذين إلههم بطونهم ومجدهم في خزيهم الذين يفتكرون في الأرضيات}(في 18:3، 19).

فبالصوم نتذلل لله ونعلن له أنه صاحب السيادة والسلطان على حياتنا وعلى أفكارنا وعلى أجسادنا. وليكن خضوعنا له هو خضوع التسليم لمن له حكمة القيادة والحفظ لنا ولحياتنا ولبيوتنا، وهذا ما نادى به عزرا حينما نادى بصوم {لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا.... فصمنا وطلبنا ذلك من إلهنا فاستجاب لنا}(عزرا 21:8 - 23).

الصوم اعتراف بالخطية والتوبة عنها، وهذا ما صنعته {نينوى} حينما أنذرهم يونان أن المدينة ستنقلب بعد أربعين يوماً {فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد ونودي وقيل عن أمر الملك وعظمائه لا تذق الناس والبهائم ولا البقر ولا الغنم شيئاً. لا ترع ولا تشرب ماء} (يونان 5:3 – 7)، وهو ما حذر به أيضاً يوئيل شعبه في (يوئيل 13:1، 14، يوئيل 12:2، 15).

بالصوم نطلب معونة الله أمام الضيقات والاضطهادات، مثلما صنعت أستير حينما واجهت هي وشعبها مكيدة هامان بمحاولة إهلاكهم وإبادتهم (أستير 15:4 – 17).

ويذكر الكتاب المقدس أسباباً أخرى كثيرة، غير أن ما سبق ذكره يعد من أهم الدوافع والأسباب التي تدعو الناس إلى الصوم.