العودة الى الصفحة السابقة
المرأة إنسان مساو للرجل تماماً

المرأة إنسان مساو للرجل تماماً

جون نور


يتحدث الوحي الإلهي في سفر التكوين عن قصة الخليقة، فقد خلق الله كل المخلوقات في الأيام الستة الأولى. ووجد الرب أن كل ما صنعه حسن جداً، وفي اليوم السادس أيضاً خلق الإنسان الذي ميزه عن كل الخلائق الأخرى، وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملئوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض (تك 26:1 – 28). واستحسن الله كل ما خلقه. وهنا نلاحظ أن الوحي يخبرنا بان الله خلق الإنسان ولم يقل خلق الرجل فحديث الوحي هنا عن الإنسان كجنس وليس كفرد واحد سواء كان هذا الإنسان رجلاً أو امرأة، فالنظرة للإنسان بجنسية في كل الأعمار وكل الأزمان وكل الأماكن.

وقول الوحي الإلهي عن ذلك واضح وصريح. فالرجل إنسان والمرأة إنسان، ولا فرق بينهما على الإطلاق من جانب الحقوق أو الواجبات إلا في الناحية الجسدية البيولوجية ليكملا بعضهما البعض ولمسايرة الخليقة. وهنا نلاحظ أن الله يخاطب آدم وحواء في هذا النص الكتابي وهما اثنان فقط بصيغة الجمع، وذلك يمثل تعبيراً عميقاً عن حضور صورة البشرية كلها في فكر الله ورؤيته للعالم في شخص آدم وحواء. وبهذا يحتسب كل ما قيل لآدم وحواء إلى كل البشرية في كل العصور وإلى منتهى الدهور، أي إلى كل رجل وامرأة في كل الظروف والأحوال. ويمكننا الآن أن نتصور مدى قصور المعنى وانغلاقه لو أن كلام الله جاء لهما بصيغة المثنى، ثم أليس هذا يدخل في صميم موضوعنا أن التساوي بين الرجل والمرأة خلق فيهما ليظل قائماً دائماً؟.

وفي هذا القول الإلهي وأقوال أخرى واردة في الوحي المقدس نرى المساواة بين الرجل والمرأة من عدة جوانب كما يلي:

البركة المتساوية تماماً للذكر والأنثى:

أعطى الله بركة واحدة مقسمة بينهما بالتساوي، ينالانها معاً طالما هما في ألفة أو في اتحاد. وقد نتج عن هذه البركة الواحدة المتساوية مسئولية واحدة متساوية، فهما يعملان معاً بمقتضى هذه البركة.

والبركة المقصودة هنا هي بركة منحها الله لهما في قوة التوالد والتكاثر حتى يصيرا ما لا يحصيهما عد. وجاء معنى كلمة (بارك) الخاصة بالإكثار في عدة آيات ومواقف مثل القول: وباركوا رفقة وقالوا لها أنت أختنا صيري ألوف ربوات (تك 60:24). وأيضاً قول الوحي امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غرس الزيتون حول مائدتك. هكذا يبارك الرجل المتقي الرب (مز 3:128 و 4). ونلاحظ هنا أن هذه البركة لم تكن مجرد هبة وهبها الله للإنسان بل هي وظيفة أيضاً ومسئولية.

مسئولية الإنجاب معاً:

إذ يقول لهما الرب (أثمروا) والمقصود بالثمر هنا هو النسل أو الإنجاب حيث يتحملا هذه المسئولية بالتساوي، كما أن أعباءها مقسمة بينهما بالتساوي أيضاً. فلا يمكن أن ينجب الرجل وحده بدون المرأة ولا يمكن أن تنجب المرأة وحدها بدون الرجل.

مسئولية الكثرة معاً:

وبالطبع لا يجوز أن يتولى أحد الزوجين مسئولية الإنجاب وحده. والزوج الآخر يتولى مسئوليات أخرى كالزراعة أو العمل الحكومي أو تربية الأبناء أو غيرها، فالكثرة مسئوليتهما معاً، وهذا يعني أيضاً أن نسلهما من بعدهما أعطى نفس البركة التي لهما ليثمروا أيضاً حتى تأتي الكثرة التي لا تستنفذ البركة أبداً، بل ستظل البركة هي المصدر الثابت لدوام النسل. وحدود هذه الكثرة ستنتهي بملء الأرض.

إخضاع قوي الطبيعة معاً:

ومسئولية إخضاع قوى الطبيعة ملقاة على عاتق كل من الرجل والمرأة معاً بالتساوي دون تمييز أو تفرقة، فمضمون كلمة أخضعوها يشمل بكل وضوح النصرة الأكيدة في صراع الإنسان ضد كل القوى الطبيعية المضادة التي على الأرض، بل ويتعداها حتماً إلى كل ما ينشأ مستقبلاً من قوى أخرى مضادة للإنسان. والقول الإلهي هذا يتضمن عدة حقائق مهمة بل هي في غاية الأهمية، وهي:

  • عدم تمييز الرجل عن المرأة في عملية إخضاع القوى المضادة مهما كان مصدرها ومهما كانت صعوبتها.

  • والحقيقة الثانية هي أن ضمان النصرة في إخضاع الإنسان لأية قوى مضادة أو معاكسة يتوقف على التعاون والانسجام، بل على الاتحاد بين الرجل والمرأة وليس على اعتبار أن الرجل هو الأكثر كفاءة في مقاومة الطبيعة المعاكسة كما يرى البعض. فدور المرأة سيظل مساوياً لدور الرجل تماماً من حيث المسئولية حسب أمر الله.

  • إن العامل المساعد للنصرة على قوى الطبيعة هو انسجام الفكر والإرادة بين الرجل والمرأة معاً وليست القوة الكامنة في ذراع الرجل كما يقولون، أو وضع الرجل في المقدمة. فالقوة ما أرخصها اليوم في عصر التحضر العلمي والتي يمكن أن نحصل عليها عندما نضغط على زرار بسيط في الآلة الحديثة.

السلطان المعطي بالتساوي للرجل والمرأة معاً:

فهو سلطان واحد غير مجزأ على كل ما في السماء والأرض والبحر. وهكذا يتضح هنا أن حقوق كل من الرجل والمرأة تقوم أساساً على التساوي المسبق في سلطان واحد موهوب لهما معاً. ولذلك لا يمكن قصر أي تفوق في السلطان على أي من الرجل أو المرأة في أي ميدان من الميادين التي أعطى للإنسان أن يتسلط عليها. ولا يمكن لهذا السلطان الإلهي الممنوح أن ينفرد به الواحد دون الآخر وإلا بطل هذا السلطان عن أداء مهامه.