العودة الى الصفحة السابقة
الوصية الأولى في الكتاب المقدس

الوصية الأولى في الكتاب المقدس

جون نور


تقول: {لا يكن لك آلهة أخرى أمامي} (خر 3:20)

هل أنت مستعد يا صديقي أن توزن بهذه الوصية؟ هل أتممتها، أو هل أنت راغب في أن تتمم، كل مطالب هذه الوصية؟ ضعها في كفة، وقف أنت في الكفة الأخرى. هل قلبك منشغل بالله وحده؟ أليس لك إله آخر؟ هل تحبه أكثر من الأب والأم، أكثر من زوجتك وأبنائك، أكثر من الثروة وملذات الحياة؟

يتفق الفلاسفة على أنه حتى أكثر الشعوب بدائية يتصلون بكائن أسمى وراء عالم المادة. إنه أمر طبيعي للإنسان أن ينعطف نحو الله كما ينعطف النبات المتسلق نحو دعامة يتشبث بها. الجوع والعطش يدفعانه لطلب الطعام، وهناك جوع في النفس يتطلب الشبع أيضاً. لا يحتاج الإنسان إلى أن يؤمر بأن يعبد، فلكل واحد إله معين، وكل ما يحتاجه الإنسان هو أن يتلقى الإرشاد السليم.

سال أحدهم شخصاً اعرابياً هذا السؤال: {كيف تعرف أنه يوجد إله}؟ فأجاب الاعرابي قائلاً: {وكيف أعرف إن كان الذي مر أمام خيمتي الليلة الماضية رجلاً أو جملاً}. إن آثار أقدام الله في الطبيعة وفي اختباراتنا الشخصية هي أفضل دليل وجوده وعلى صفاته.

عندما نذكر من هم الذين أعطيت لهم هذه الوصية ندرك كيف كانت لازمة. لقد عبد آباء إسرائيل الأولون الأصنام قبل ذلك الوقت بأجيال قليلة. وكانوا قد خرجوا – منذ فترة وجيزة – من مصر التي تعبد آلهة كثيرة. فقد كان المصريون يعبدون الشمس والقمر والحشرات والحيوانات الى ما غير ذالك ولا شك في أن الضربات العشر قصد بها الله أن تحل بما كانوا يقدسونه. وكان بنو إسرائيل ذاهبين ليمتلكوا بلاداً يسكنها الوثنيون، الذين كانوا هم أيضاً يعبدون الأصنام. لذلك كانت الحاجة ماسة جداً لوصية كهذه. لم يكن ممكناً أن تكون هناك علاقة سليمة بين الله والإنسان في تلك الأيام – كما في هذه الأيام الحاضرة أيضاً – إلا إذا عرف الإنسان أنه يجب أن يعترف بالله وحده، وأن، لا يقدم إليه قلباً منقسماً.

طالما أن الله قد خلقنا فإنه يجب علينا يقيناً أن نقدم إليه ولاءنا. أليس واجباً أن يكون له المكان الأول، بل المكان الوحيد في عواطفنا ومحبتنا؟

{لا يكن لك}. هذه هي السكين المنقية التي يستخدمها الله. من البداية إلى النهاية يطلب الكتاب المقدس الولاء لله من كل القلب، دون أن يكون هنالك إتصال بآلهة أخرى.

لقد تطلب الأمر سنوات طويلة لكي يرسخ الله هذا الدرس في قلوب شعب العهد القديم. لكننا نلاحظ في الكتاب المقدس أنهم كانوا يتحولون عنه بصفة مستمرة. فكانوا يعاقبون بالضربات والأوبئة والحروب والمجاعات. لم تكن خطيتهم أنهم نبذوا الله كلية، بل انهم أرادوا أن يعبدوا آلهة أخرى معه. خذ مثلاً سليمان كعينة لكل الأمة. لقد تزوج نساء وثنيات أملن قلبه وراء آلهة أخرى، وبنى مرتفعات لآلهتهن، واستصوب عبادتها. كان هذا هو التحول المستمر للأمة كلها عن الله، إلى أن أرسلهم أخيراً إلى السبي في بابل، وأبقاهم هناك سبعين سنة.

ألا يجب أن تجاهد الكنيسة ضد نفس المشكلة اليوم؟ قليلون جداً هم الذين لا يؤمنون بالله في قلوبهم. لكنهم لا يريدون أن يعطوا كل القلب لله. لأنهم يجدون المسيحية صارمة. وهم غير مستعدين لإعطاء ولائهم الكامل لله وحده. كثيرون من مدعي المسيحية يعثرون غيرهم لأن عبادتهم ليست من كل القلب، فإنهم في يوم الأحد يعبدون الله، وفي باقي أيام الأسبوع لا يكون لله سوى مجال قليل في تفكيرهم، أو لا مجال مطلقاً.

لست في حاجة إلى الذهاب إلى الممالك الوثنية اليوم لكي تجد آلهة كاذبة، فإن العالم مليء بها. إن ما تركز فيه تفكيرك هو إلهك، وما تحبه أكثر من الله هو صنمك. إن قلوب الكثيرين مكتظة جداً بالأصنام حتى أنه يعسر أن يوجد فيها مكان لكي تلتفت إلى اليمين أو إلى اليسار. فالأغنياء والفقراء، المتعلمون والجهلاء، كل طبقات البشر، رجالاً وسيدات يرتكبون هذه الخطية. قد يؤله الإنسان نفسه، أو إبنه، أو أمه، أو هبة ثمينة وهبه الله إياها. قد ينسى {الواهب} ويتعلق قلبه بالهبة.

يتخذ الكثيرون من الملذات إلهاً، وتتعلق قلوبهم بها البعض يتخذون من الموضة إلهاً. إنهم يصرفون وقتهم ويوجهون كل تفكيرهم إلى الملابس. إنهم يخشون ما يقوله الناس عنهم. ينبغي أن لا نملق أنفسنا بأن كل عبدة الأصنام موجودون في البلاد الوثنية.

ويتخذ الكثيرون من المال إلهاً. حقاً أننا لم نصل بعد إلى عبادة العجل الذهبي، لكن إن باع إنسان مبادئه من أجل الذهب ألا يقال عنه أنه إتخذه إلهاً؟ وإن إعتمد على ثروته لكي تحفظه من الفاقه، وتسد أعوازه، ألا يحق أن يقال بان الثروة إلهه؟ يقول الكثيرون: {أعطني المال فأعطيك السماء. ماذا يهمني من أمجاد وكنوز السماء؟ أعطني الكنوز هنا، فلا أبالي بالسماء. إنني أريد أن أكون رجل أعمال ناجحاً}.

أيها الحبيب، أتستطيع أن تقول هذا بإخلاص؟ هل كل رجائك مركز على الله في المسيح؟ أتتكل عليه وحده؟ هل أنت مستعد أن تقف في الميزان وتوزن أمام هذه الوصية الأولى؟

الله لا يقبل قلباً منقسماً. يجب أن يكون كل القلب له. لا يوجد مكان في قلبك لعرشين. لقد قال المسيح: {لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لانه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال} (مت 24:6). لاحظ أنه لم يقل: {لا يوجد أحد يخدم سيدين} ، بل {لا يقدر أحد أن يخدم…. لا تقدرون أن تخدموا}.

إن الطريق إلى السماء يتجه إتجاهاً عكس الطريق إلى جهنم. أي سيد تختار لكي تتبعه؟ {إياه وحده تعبد}.

إنني أؤمن بأنه عندما يكون للمسيح المكان الأول في قلوبنا، عندما نطلب أولاً ملكوت الله في كل شيء، فإننا ننال قوة، ولن ننال قوة إلا إذا أعطيناه المكان اللائق به. إذا ما سمحنا لإله كاذب بأن يدخل ويسلب محبتنا لإله السماء فلن يكون لنا سلام، ولن تكون لنا قوة.